5 نوفمبر، 2024 12:33 م
Search
Close this search box.

أسطورة التكوين البابلية

أسطورة التكوين البابلية

إن أسطورة الخلق البابلية تتوضع بشكل أساسي في ملحمة التكوين البابلية المعروفة ب “الإلنيوما إيليش”، وتعتبر هذه الملحمة، بالإضافة إلى ملحمة جلجامش، من أقدم وأجمل الملاحم في العالم القديم. وما يعطيها هذه الأهمية هو الشكل الشعري الجميل الذي جاءت فيه مما يعكس حالة مجتعية متحضرة وأدباً إنسانياً متطوراً.

يعود تاريخ كتابة االينوما إيليش إلى حوالي 1500 سنة تقريباً قبل كتابة إلياذة هوميروس، وقد وجدت موزعةً على سبعة ألواح فخارية. أما اسم الملحمة فهو مأخوذ من الكلمات الافتتاحية للنص، وهي تعني: حينما في الأعالي.

كما في التكوين السومري وقبل بداية الكون كانت حالة من العماء والمياه الأولى، ممثلةً بثلاثة آلهة، آبسو هو الماء العذب، تعامة زوجته وهي الماء المالح، أما ممو فهو يمثل الضباب الناشئ عن تلك المياه والمنتشر فوقها. كانت هذه الآللهة في حالة من السكون:

 “حينما في الأعالي لم يكن هناك سماء

 وفي الأسفل لم يكن هناك أرض

 لم يكن من الآلهة سوى آبسو أبوهم

 وممو، وتعامة التي حملت بهم جميعاً”

ثم آخذت هذه الآلهة بالتناسل. فولد آبسو وتعامة إلهان جديدان هما لخمو ولخامو الذين بدورهما أنجبا أنشار وكيشار. وبعد فترة أنجب أنشار وكيشار الإله آنو الذي أصبح إله السماء. وهكذا ضجت أعماق الآلهو الأم تعامة بآلهة جديدة مليئة بالحيوية والنشاط أقلقت السكون الأزلي للآلهة الأم.

فشلت محاوالت الآلهو الأم للسيطرة على الآلهة الجديدة لذلك قام آبسو بوضع خطة للقضاء على النسل الجديد الذي عكر سكون الآلهة الأم الأبدي، قرر هذا على الرغم من معارضة تعامة:

 “وفتح أبسو فمه، قائلاً لتعامة بصوتٍ مرتفع:

لقد غدا سلوكهم مؤلماً لي

 في النهار لا أستطيع راحة، وفي الليل لا يحلو لي رقاد

 لأدمرنهم، وأضع حداً لأفعالهم”

ولكن الإله الشاب إيا ألقى على آبسو تعويذة ليذهب في سبات عميق:

 “أيا، العليم بكل شيء، قد نفذ ببصيرته إلى خطط المتآمرين

 نطق ترتيلته المقدسة المسيطرة على النفوس فجلب إليه النوم العميق

 نام آبسو وراح في سباته بلا حراك”

فخلافاً للتكوين السومري، تتضح لدينا في الإينوما إيليش معالم الصراع بين آلهة الحركة وآلهة اللجة والعماء، فبعد نوم آبسو تشرع تعامة في إعداد جيش كبير لقتال آلهة الحركة والنشاط، وتعهد إلى الإله “كينغو” بقيادة هذا الجيش، بعد أن اختارته زوجاً لها وعلقت على صدره ألواح القدر:

 “تعامة مخاطبةً كينغو:

فلتكن علياً عظيماً يا زوجي الفذ

 ثم أسلمت إليه ألواح الأقدار وزينت صدره قائلة:

سيكون أمرك نافذاً وكلمتك ماضية “

أما على الجانب الآخر فقد سلم الآلهو مقاليدهم إلى الإله مردوخ، أعظم آلهة بابل وابن إيا. دخل كل من مردوخ وتعامة في صراع منفرد مميت، انتهى بانتصار مردوخ بعد أن مزق تعامة وجيشها، وسلب زوجها وقائد جيشها ألواحَ الأقدار وعلقها على صدره:

 “ثم تقدما من بعضهما، تعامة ومردوخ أحكم الآلهة

 اشتبكا في قتال فردي، والتحما في عراك مميت

 نشر الرب شبكته واحتواها في داخلها

 ثم أطلق الرب من سهامه واحداً مزق أعماقها

 أما كينغو الذي وضع رئيساً عليهم

 فقد كبله وأسلمه إلى إله الموت سجيناً”

بعد هذا الانتصار على قوى العماء والسكون، تفرّغ مردوخ لتنظيم الكون وإخراج الشكل من الهيولى، فعاد إلى جثة تعامة وشقها نصفين، رفع الأولى مكوناً السماء وجعل من الثانية أرضاً. أما الإنسان فقد خلقه من دماء الإله السجين كنغو.

إلى جانب ملحمة “الإينوما إيليش” وصلتنا عدة نصوص عن الأسطورة البابلية في الخلق كنص سيبار الذي تم العثور عليه في خرائب سيبار والذي يعود تاريخه إلى الدولة البابلية الجديدة في القرن السادس قبل الميلاد، إلا أن هذه النصوص ناقصة بسبب تشوه الألواح الفخارية، كما أنها لا تقارن بالـ “إينوما إيليش” من الناحية الجمالية.

أحدث المقالات

أحدث المقالات