تعتبر الممارسات المترسبة من الشروط المسبقة للسياسة الأمريكية ونتيجة لها بنفس الوقت في مجال الخطاب الامريكي عامة والسياسة الخارجية خاصة ، فهي تضفي الشرعية على مجال معين لفعل ما وتنزعها عن مجالات اخرى . وهكذا يبدو فهم السياسة الخارجية الامريكية مستحيلا دون هذه المباديء والمعايير والمؤسسات الراسخة . ان واحدا من عناصر الممارسات المترسبة والتي غالبا ما ترتبط به هو الاساطير والتي تكون فكرتها مهمة في صوغ التفرد في اية امة وهي تهدف ايضا الى إنتاج مظهر الحضور النقي وليست مجرد تمثيل بسيط للواقع وهكذا تولدت النزعة الاستثنائية الأمريكية متجذرة في اصول امة جرى تصورها على انها بلاد الرب وتطورت من هوية كولونيالية إلى هوية وطنية ، كما واستندت هذه الاستثنائية ايضا إلى ان امريكا هي البلد الأفضل والاقوى وهي البلد الفاضل في العالم وان النظام الامريكي يتفوق على كل النظم الأخرى. هذه المسألة أصبحت مسألة مركزية في النزعة الاستثنائية وهو ما تعتبره أمريكا مطلبها بقبول مسؤوليتها ووصايتها بالترويج العالمي للديموقراطية والقيم الليبرالية وهو ما تراه مبررا لحاجتها المستمرة إلى التوسع كقوة اقتصادية وعسكرية وإنشاء مؤسسات دولية وتبشير عالمي بنظام الليبرالية الجديدة كصمام امان للحفاظ على النظام الراسمالي، وهكذا تعمل اسطورة الاستثناء على صياغة هوية الولايات المتحدة ومكانتها في العالم وهي رؤية غالبا ما يكتنفها الغموض .وتاطير فكرة الهوية تكون حاسمة في هذا السياق اذ لايمكن تمظهر هذه الهوية الا من خلال رسم حد فاصل بين الداخل الاسطوري والخارج السلبي المستبعد من الاسطورة حيث يرتبط ارتباطا وثيقا بالازمة ،وهذا الامر يعطي تعبيرات عن هويات مهددة ، وهنا نرى تفشي خطاب السياسة الخارجية الامريكية بتقديم ( اخر ) على انه اجنبي او مخرب أو قذر ، وكان ذلك واضحا من خلال مجريات الحرب الباردة بين المعسكر الامريكي الراسمالي والمعسكر السوفياتي الاشتراكي مثل ازمة الصواريخ الروسية في كوبا التي اعتبرتها الولايات المتحدة بانها تهديدا لهوية امريكا وحرية الشعب الامريكي وحرية الغرب عموما . ان اسطورة الاستثناء الامريكي تنطوي ايضا على احالات دينية تضفي عليها صدقية اضافية مثل (قدر الولايات المتحدة المتجلي ) الذي يفهم على انه المهمة المقدسة التي منحها الرب لامريكا لتحسن حالة البشرية جمعاء . وقد انتج هذا (القدر المتجلي) وثيقة بالنزعة التوسعية ومتجاوزا ادعاء الاستثنائية وتفوقها وهو ما كتبه (جون ونثروب) (على المستوطنين الامريكيين ان يكونوا كمدينة على تلة … إليها ترنوا عيون الناس جميعا ) ويذهب (القدر المتجلي) ابعد من ذلك ليقول ان ( لدى الامريكيين مهمة دينية تقتضي منهم النزول من تلتهم ونشر قيمهم ) . ومثال اخر على توظيف المصطلح الديني في تفرد الهوية الامريكية هو ما قاله الرئيس الامريكي ابراهام لنكولن في خطابه الشهير في غيتسبرغ بأن الولايات المتحدة هي ( اخر وافضل امل على وجه الارض ) . السؤال الذي يطرح الان هو ما مدى الاستثناء الاسطوري في الخطاب الامريكي خارج الولايات المتحدة وما هي ردات الفعل عليه وهل يمكن لهذه الأساطير ان تنتهي إلى اللابديل …؟