سلسلة الحلقات الي تبثها فضائية العربية كل جمعة هذه الايام عن فترة حكم البشير و حزبه بعنوان “الاسرار الكبري” ليس فيها من جديد بالنسبة لمن عاش و خبر تلك الأيام البائسة في السودان، فما تبثه العربية من تصريحات لرموز الحقبة السوداء ماهو إلا منفستو صوتي و شفهي لأمور عايشها الناس و ليست أسرار بحال من الاحوال! فسياسة البشير و اخوانه (في التنظيم و الدم ايضاً) تحدثت عن نفسها، و لقد اختبرها الشعب السوداني كأفعال و ليس مجرد اقوال..
و إن كان البعض يعتبر تلك التصريحات بمثابة اعترافات صريحة إلا ان ما ارتكبه البشير و الحركة الاسلامية من انتهاكات و جرائم و تجاوزات لا تحتاج الي اعترافات فهي امور مثبتة و برهن عليها الواقع و قام عليها الف دليل و برهان عملي و مادي و يشهد عليها آلاف الشهود، ثم ان الشعب و بناءاً علي ما استقر في و جدانه و رسخ في عقيدته آمن ان هذا النظام لن ينصلح و لا بد من و لا خيار غير الاطاحة به، و قد تعددت محاولات الاطاحة به ما بين كفاح عسكري مسلح و هبات شعبية حتي تكللت بالنجاح في ثورة ديسمبر- ابريل- يونيو 2018-2019م.
ان السر الذي لم يخطر علي بال معدي سلسلة حلقات “الاسرار الكبري” هو ان تلك الحلقات فضحت تساوي كل عضوية التنظيم “كل قيادة و قواعد تنظيم البشير-الترابي” من حيث ضعف العقل و خواء الفكر، و برهنت ان تولي القيادة فيه لا يتعلق بمهارة أو ملكة، بل هو خبط عشواء.. فردة فعل قيادات التنظيم الذين لازالوا طلقاء ينتظرون دورهم علي لوائح الملاحقة و التحقيق كانت مذهلة و مدهشة و غريبة! اذ ان بينهم من لايزال يكابر و يغالط الاقدار و الحقائق و يحاول تزيين ما نقلته الفضائية من تصريحات كارثية و يعدها مكسب للتنظيم الفضائحي و الكارثي!
من بين أؤلئك “القيادات” ابراهيم غندور الذي يفترض انه الرجل الاول بعد سقوط العشرات من قيادات التنظيم، فغندور الذي ابعد مؤخراً علي يد البشير من منصب وزير الخارجية و كان قد شغل قبلها منصب نائب رئيس الحزب للشؤون التنظيمية و السياسية “الرجل الثاني في الحزب بعد الرئيس المشير” و مساعد رئيس الجمهورية في نفس الوقت و مدير جامعة الخرطوم من قبل ذلك و رئيس نقابات العمال ايضاً، هذا الابراهيم غندور يحاول اليوم و بلا حياء ان يقلل من أهمية و وزن تلك الاعترافات من شفاه و لسان قادة التنظيم الحاكم “للنظام البائد”..
قادة اخرين كمحمد علي الجزولي الذي حاول في فترات مختلفة ان يقف علي مسافة من السلطة و يبدو احياناً كناقد لها “إلا انه في الواقع كان ينتقدها نقد مشفق حيناً أو يراها مفرطة و متساهلة و ينبغي ان تكون اكثر تشدداً و تطرفاً، بدليل انه في لحظة من تاريخه اعلن ولاءه لابوبكر البغدادي خليفة داعش!!” يحاول بمثابرة يحسد عليها ان يبرز تلك الاعترافات و كأنها ادلة براءة لا ادلة ادانة!!
تلك المواقف من غندور و الجزولي و غيرهم من منسوبي تنظيم الفضائح تؤكد حقيقة و سر جديد هو ان اعضاء ذلك التنظيم كلهم ملة واحدة في تغييب العقل و الضمير و كلهم شركاء في حالة التخليط و التلبيس و ذر الرماد في العيون و اثارة اللغط لاخفاء الحقائق و تدليسها و تقديم الشر المستطير في طبق الخير العميم!