22 ديسمبر، 2024 5:45 م

أسرار تغيير سعر صرف الدولار

أسرار تغيير سعر صرف الدولار

في الوقت الذي يعيش فيه الكثير صدمة تغيير سعر صرف الدولار ( رسميا ) من 1190 إلى 1470 دينار ، فان التساؤلات بخصوص أسباب هذا التغيير ومبرراته لا تزال تطرح في كل مكان ، وبشكل يؤشر بان الجمهور لم يقتنع بأي كلام صدر بهذا الخصوص ، فمجلس النواب الذي يناقش مواد ونصوص الموازنة الاتحادية 2021 يقول إن الموضوع ليس من اختصاصه وإنما من صلاحية البنك المركزي العراقي باعتباره هيئة ( مستقلة ) ، رغم إن هناك من يعلم علم اليقين انه لا يوجد استقلال مطلق لكل الهيئات حيث تدار بالوكالة منذ سنوات وبإمكان رئيس مجلس الوزراء تغيير أي رئيس هيئة بقرار ، ومما يزيد الأمر إثباتا بان الأمر صدر من المركزي العراقي ولكنه من متبنيات وزارة المالية على وجه التحديد ، إن هذا السعر قد وضع في مشروع قانون موازنة 2021 قبل وصولها إلى مجلسي الوزراء والنواب من خلال النسخة ( المسربة ) التي كشفت العديد من الأسرار ، وقرار البنك المركزي بشان اعتماد سعر الصرف الجديد قد صدر بعد التسريب من باب الأمر الواقع ، لدرجة إن البعض اعتقد إن النسخة المسربة كانت وسيلة غايتها جس نبض الشارع العراقي من تغيير سعر الصرف وامتصاص رد فعل الصدمة من هذا الموضوع إذ لم تتخذ أية إجراءات بخصوص التسريب ، وصحيح إن وزارة المالية لم تصدر إلى ما يشير بأنها هي من ضغطت على البنك المركزي لتغيير سعر الصرف إلا إن تصريحاتها تذهب صوب تبرير هذا التغيير على أساس انه الوسيلة الملجأة لتغطية النفقات المخمنة التي وصلت إلى 164 تريليون دينار ، وهي تبريرات لم تقتنع بها الغالبية من فئات الشعب لان اللجنة المالية في مجلس النواب أشارت لوجود مبالغة في تقدير النفقات لدرجة إن هناك إمكانية لتقليصها إلى أرقام تفوق بكثير ما سيتم الحصول عليه من فروقات سعر صرف الدولار ، ومن الأرقام التي تضمنتها الموازنة هي اعتماد 42 دولار للبرميل في حين إن الأسعار السائدة هي أكثر من 50 دولار للبرميل ، فضلا عن اعتماد كمية تصدير بحدود 3,250 مليون برميل يوميا في حين إن الحصة المقررة للعراق في المرحلة الثالثة من اتفاق ( اوبك + ) هي 4,016 مليون برميل يوميا .
وحسب رأي الكثير ، فان تغيير سعر صرف الدولار وبفرق كبير دفعة واحدة سيؤثر حتما على الاقتصاد المحلي عموما وان كل الادعاءات بأنها ستدعم الإنتاج المحلي هي محل اختلاف لان الإنتاج المحلي ينمو ويزدهر من خلال البدايات وليس من النهايات ، وقد بدأت الحالات السلبية بالظهور من خلال انكماش حركة التداول بالعموم وتذبذب أسعار الصرف في الأسواق إذ لم تبلغ 1470 دينار لحد اليوم ، كما إن نافذة بيع الدولار في البنك المركزي تشهد فتورا اقترن بانخفاض المبيعات لأكثر من 80% يوميا فالتجار لم يعد لديهم الاطمئنان باستيراد السلع وبيعها بأسعار مرتفعة بالدينار لأنها سوف لا توازي القدرات الشرائية للمواطنين ، وعلى المستوى الشعبي فان هذا التغيير لم يلقى ارتياحا ايجابيا لما تسببه من ارتفاع حاد في كل الأسعار وقد ظهر بشكل واضح في موائد العراقيين واثر على خبزة الفقراء ، وهناك من يردد بان تغيير سعر الصرف كأنه عقوبة جماعية على محدودي الدخل الذين يشكلون النسبة الأكبر من السكان وهذه العقوبة تفرض دون ذنب ارتكبوه والغاية المعلنة هي معالجة العجز الذي سببه الفشل والفساد والإهمال وليس تقصير المواطن الفقير ، ولسان حال البعض يقول إن هذا التغيير هو خارج تعهدات الحكومة الانتقالية التي أعطت آمالا بمطاردة الفاسدين واسترداد الأموال المسروقة ، فالمستفيد من تغيير سعر الصرف هم طبقة محددة تمتلك الدولار ولا تتعامل بالدينار وربما يكونوا من بينهم السراق فقد ازدادت ثرواتها 20% على الأقل دون جهد او عناء ، أما المواطن البسيط فانه يشتري 4 بيضات بألف دينار وربما سيكون عاجزا عن شراء رغيف الخبز لان موازنة 2021 ستكون تشغيلية بامتياز وفيها قليل من نفقات الاستثمار وهي تحتوي على ضرائب ورسوم واستيفاء للأجور من شانها أن تزيد الوضع سوءا لنسبة مهمة من السكان ، وتلك ليست نظرة متشائمة للأمور وإنما نقلا أمينا لأقل من واقع حال العديد من العراقيين الذين يعيشون بالداخل والخارج لان من يعتمد في معيشته على تحويلات الدولار سينخفض ربع دخله وهو غير قادر على العمل في الخارج وتعويض ما خسره من التصريف بسبب تحديدات وشروط الأعمال للمقيمين في البلدان .
وقد اظهر التقرير النوعي للرقم القياسي لأسعار المستهلك الذي يعده الجهاز المركزي للإحصاء في وزارة التخطيط ( الصادر بتاريخ 24 ك2 2021 ) بان معدل التضخم قد ازداد بنسبة 3،3% لشهر كانون الأول 2020 وهو أول تقرير يصدره الجهاز بعد تغيير سعر الصرف ، حيث سجلت الأقسام كافة ارتفاعا بنسب 7% – 11% في (الصحة ، المواد الغذائية ، النقل ، التبوغ ، وغيرها من السلع ) ، ويمكن أن تظهر الأشهر اللاحقة ارتفاعات تفوق إمكانيات تحمل المواطن الاعتيادي في توفير المتطلبات الأساسية للحياة ، وهذا قد يعرض البلاد لأخطار غير محسوبة في المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والأمنية ، وقد أشارت العديد من الأصوات الوطنية ( غير المنتفعة) من مخاطر هذا التغيير الذي لم يجني البلد منه غير زيادة مبيعات الدولار من إيرادات الشعب من النفط إلا إنها لم تجد آذان صاغية للموضوع ، رغم إن هناك العديد من الطرق التي يمكن ولوجها في زيادة الإيرادات البديلة عن تغيير سعر الصرف ومنها جعل السعر 1300 وفرض ضرائب مباشرة بنسبة 10% على التحويلات والاعتمادات الخارجية وزيادة الضرائب على الكحول والعطور والسكائر والسيارات إلى 100% وفرض ضريبة الرفاهية المعمول بها في اغلب البلدان ، والفرصة لا تزال متاحة أمام مجلس النواب في تخفيض سعر الصرف لتقليل آثارها السلبية على الناس ، فالضرائب والرسوم حين تفرض تشمل بها فئات محددة بينما رفع سعر الصرف يأكل الأخضر واليابس بدءا من رغيف الخبز وكوب الماء او الشاي صعودا بالمتطلبات من الصحة والتعليم والزواج والإنجاب وغيرها من الاحتياجات الملحة التي تعجز الدولة عن توفيرها ، وسوف يزداد عجزها لان النفقات تتضخم وتتراجع الإيرادات والإنتاجية تراوح نفسها وربما تختنق او تموت في ظل سعر الصرف الذي بات ( بعبع ) للشعب لأنها أسهل طريقة حكومية يتم استخدامها لزيادة الإيرادات ، والتي ربما تؤدي لوصول الدولار إلى 2000 دينار او أكثر لكل دولار في 2022 ، ونعتقد إن من المصلحة الوطنية مراجعة سعر الصرف الحالي وإيجاد وسائل فاعلة لحماية الشعب من تذبذب أسعار الصرف من خلال التشريعات الحالية او إيجاد تشريع مناسب بهذا الخصوص.