23 ديسمبر، 2024 6:52 ص

يقال أن أناساً خرجوا في سفر ومعهم دليل،اسمه ابن سهم الخشب فظل الدليل الطريق فقال لمن معه: ” باللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، قِفوا! فنحن على حافة وادي عبقر! ” وأشار إلى بطن الوادي، نحو كثبان رمل مقمرة وناعمة، وإذا بكائن، على هيئة إنسان، يسوق ظليما ” ذكر نعام ” مربوطاً من خطمه بحبلة من الكتّان. كان مُقبلاً من عمق الوادي، فاستوحشنا منه، وحتى الإبل بدأت ترغي وتتراجع بنا إلى الوراء. ومرق قريباً منا. كان أطول من الناقة، ورأينا ظهره عارياً، وفيه نمش أخضر، مثل طحالب تتشعّب على سطح ماء آسن، فارتعبنا. وقف بعيداً عنا، وتلفّت نحونا، وحدّق فينا مدة جعلت فرائصنا تنتفض،ثمَّ قال للدليل: ” يا ابن سهم الخشب: من أشعر العرب؟ ” كان الدليل خائفاً فلم يُجب. فأكمل: أشعرهم من قال
وما ذرفتْ عيناكِ إلاّ لتضربي بعينيكِ في أعشارِ قلبِ مقتـلِ
فعرفنا أنّه يقصد امرؤ القيس. فقال الدليل: ” باللات والعزى ومناة الثالثة الأُخرى، مَنْ أنت؟ “، فرجع إلى الوراء حتى كاد يقع. وقال: ” أنا لافظ بن لاحظ، من كبار الجنِّ، لولاي لما قال صاحبكم الشعر! ” ومضى، مقهقهاً. وقف دليل القافلة مذهولاً، وحدّق فيه حتى اختفى. قُلنا له: “فما تقول في هذا؟”، فقال: ” هذا لافظ بن لاحظ، شيطان امرئ القيس الذي يُملي عليه الشعر
وادي عبقر هو وادي يقع في نجد وهو وادٍ سحيق، واذا قيل فلان (عبقري) فهو نسبة إلى وادي عبقر, وتقول الروايات ان هذا الوادي تسكنه شعراء الجن منذ زمن طويل، ويقال ان من امسى ليلة في هذا الوادي جائه شاعر أو شاعرة من الجن تلقنه الشعر،وإن كل شاعر من شعراء الجاهلية كان له قرين من هذا الوادي يلقنه الشعر
حقيقة العبقرية وصفاتها
جميلة بل ورائعة تلك الروايات القديمة, ومع أنها تحمل الكثير من الغرائب لكنها تحمل أيضا في طيات سردها حقائق واقعية بتوصيف العبقرية ظاهرة خارجة عن المألوف وأرتباطها بالمخيلة الخلاقة بما توفر لها من حظوظ
من أهم صفات السبّاقون (العباقرة) على الأطلاق صفة قوة الملاحظة ، ذلك أنها سر قدرتهم على الريادة, فطبيعتهم هي من قدرتهم ومكنتهم من مراقبة وفحص كل مايدور حولهم وإمتحان ما يخطر ببالهم من مظاهر وتصورات وأيجاد حلول لتساؤلات قد تبدو ساذجة للآخرين,فهم أستطاعوا على مرالسنين أن يكدسوا في ذاكرتهم مئات الألوف من المعطيات التي سيستخدمونها في تكوين أجوبة لمسائل تعترضهم على شكل معادلات صورية أو رياضية مجردة تماما كالميكانيكي الذي إذا رأى برغي برأس مضلع أختار لفتحه ملفا مناسبا يحتفظ به في مكان معين يتناوله دون غيره أو كما يجيبك تلقائيا عن نتيجة العدد المضروب بآخر من تعلم جدول الضرب جيدا.العقل يشبه أي عضلة من ناحية الأداء كلما بدأت بتوجيهه وتمرينه نمى وكبر وتحسن أداءه فتجد أن أغلب الفنانين أو الرياضيين العظام مثلا بدؤا حياتهم الفنية والرياضية منذ الصغر.العبقري هي صفة من المفروض أن تطلق على الشخص الواسع الأطلاع في ميادين متعددة وله فيها منجزات سباقة لما هو معهود في زمنه ، فهويختلف عن المخترع الذي قد يكون أخترع شيئا ما مرة واحدة بحياته وعن طريق الصدفة وتوقف عن العطاء, وعن ذلك الشخص الذي نطلق عليه صفة ذكي لأنه متفوق على زملائه في المدرسة أوالجامعة وجاء بمجموع عال، وهو لا يشبه الأخصائي الناجح في مجال تخصصه الطبي أو الهندسي مثلا,ولكن محدود المعارف والعطاء فيما عدا ذلك، ولا مثل المبدع بالرغم من أبداعه في مجاله الفني أو الأدبي أو الحرفي الذي أجاد وبرع في صنعته، ذلك أن العبقري السبّاق هو كل هؤلاء حتى لو لم ينتج شيئا مادياً ملموساً وأنما ربما هي مجرد نظريات أو أفكار قد لاتكون قابلة للتطبيق أوالتحقيق في عصره.من ناحية أخرى يجب ألا ننسى بأن هذا العبقري هو أنسان ولد وعاش في مكان ووقت محدودين فمستويات وحدود معارفه مرتبطة بعصره حتى لو سبقت رؤيته الآخرين بمسافة.والعباقرة درجات بدءا من الفطري في محيطه الى الذي يملك أطلاع معرفي شامل.وتظل ضربة الحظ هي من سيلعب الدورالأول في بزوغ نجم العبقري أو عدم ظهوره في دائرة الضوء فكم وكم من عبقري غاب وأندثر دون أن يسمع به أحد.وهناك من هو ليس عبقري ولكن الناس أطلقوا عليه تلك الصفة لأسباب متعددة أغلبها لحاجتهم لآلهة متخصصين في هذا الحقل أو ذاك لكي يقدسونهم , بعد أن أشهروا علمانيتهم ,كما كانوا يقدسون القديسين في القرون الوسطى من قبل أو الآلهة في عهود اليونان والرومان،فهذا أله الرسم والآخرأله الفيزياء أو الكيمياء أو المعلوماتية أو الهندسة الوراثية…، أو أن التمجيد يأتي لأسباب عنصرية قومية للتباهي بين الأمم.على أية حال وعلى ما نراه اليوم من تطور متسارع للأجهزة الرقمية الذكية وعلى رأسها االحاسوب فأن سحر العبقري وشعاعه بدأ يخفت شيئا فشيئا وسيأتي اليوم الذي ستختفي فيه هذه الكلمة من توصيف البشر لتنتقل لملك الحواسيب ربا وثنيا جديدا يعبد ويطاع