سبق ان نشرت مقالة بعنوان – ( ملاحظات حول تشابه اسماء الادباء الروس ) , وتناولت فيها هذه الظاهرة الخاصة بالادب الروسي , وتضمنت تلك المقالة اشارة الى اسمي تولستوي وأستروفسكي , وقد توقفت بتفصيلات اوسع عند اسم تولستوي في مقالة لاحقة , وكان عنوانها – ( تولستوي الاول والثاني والثالث في الادب الروسي ) , والتي حظيت بردود فعل طريفة وعديدة من قبل القراء , واتوقف الان عند الاسم الآخر , الذي ورد في تلك المقالة , وهو – أستروفسكي.
قدّم اليسار العربي اسم أستروفسكي للقراء العرب باعتباره نموذجا بطوليا خارقا لمسيرة الادب الروسي في الفترة السوفيتية, وذلك عبر روايته المشهورة – ( والفولاذ سقيناه) كما كنّا نسميها آنذاك في العراق , او (كيف سقينا الفولاذ) كما استقرت تسميتها في الترجمات العربية لاحقا (بترجمة غائب طعمه فرمان), وعندما وصلنا في بداية ستينات القرن الماضي للدراسة في الاتحاد السوفيتي , كنا نعرف قليلا عن هذا الاديب , اذ اننا سمعنا عن ذلك التمجيد له في الاوساط اليسارية ( بعد 14 تموز) في العراق, ولكننا لم نكن نعرف بتاتا اي شئ عن الكاتب المسرحي الروسي استروفسكي (وهو بنفس الاسم) , والذي شاهدنا تمثاله المهيب امام مسرح ( ماللي تياتر) في مركز موسكو( والتمثال هذا لا يزال هناك طبعا) , واعتقدنا انها للروائي استروفسكي , مؤلف تلك الرواية المذكورة آنفا.
الاسم الكامل للروائي هو – نيقولاي ألكسييفتش أستروفسكي (1904 -1936 ) , أما الاسم الكامل للكاتب المسرحي فهو – ألكساندر نيقولايفتش أستروفسكي ( 1823- 1886 ) , ويميّز الروس بينهما ببساطة , اذ انهم ( الروس ) يشيرون الى الاسم واسم الاب ليس الا ويميّزون بينهما بدقّة , أما نحن – الاجانب – فقد كان الامر صعبا علينا , ولهذا , ومن أجل أن نميّز بينهما , فقد أطلقنا عليهما صفتين مختلفين – فالاول حسب التسلسل التاريخي ( الكاتب المسرحي ) أسميناه ( أستروفسكي الروسي ) , والثاني ( الروائي ) أسميناه ( أستروفسكي السوفيتي ) , وهي تسميات ذات نكهة شبابية ساذجة طبعا, الا انها طريفة , ولهذا ثبّتها عنوانا لمقالتي هذه.
الكاتب المسرحي , او , استروفسكي الروسي , هو شكسبير روسيا بلا منازع وكما تسميه اوساط النقد الادبي في روسيا منذ القرن التاسع عشر , وعلى الرغم من الحدبث عنه هنا وهناك في عالمنا العربي ( انظر مقالتنا بعنوان – استروفسكي شكسبير روسيا ) , الا اننا – نحن العرب – لازلنا بعيدين جدا عن استيعاب اهميته في تاريخ الادب الروسي ومكانته في مسيرة الادب المسرحي بروسيا , اذ انه يمثّل أحد اركان الادب المسرحي الروسي ولحد الان , ونحن في القرن الحادي والعشرين ( وليس ذلك بالقليل !), وهو الاديب الوحيد في تاريخ الادب الروسي , الذي حرص ان يكتب مسرحية جديدة كل سنة منذ ان بدأ يكتب للمسرح , وطوال حياته في النصف الثاني من القرن التاسع عشر , وكانت الاوساط الادبية الروسية تنتظر مسرحيته الجديدة وتتلاقفها وتعرضها رأسا على خشبات المسارح الروسية في موسكو وبطرسبورغ وغيرها من المدن الروسية , والارقام والوقائع وحدها تبين وتثبت هذه الظاهرة الفذّة والفريدة في تاريخ الادب المسرحي الروسي , اذ كتب استروفسكي (47) مسرحية , وتم انتخابه رئيسا لجمعية كتّاب الادب المسرحي الروسية منذ عام 1874 , وبقي يشغل هذا الموقع الاعتباري الرفيع الى وفاته عام 1883 , وقد منحه قيصر روسيا راتبا تقاعديا مجزيا , من اجل ان يتفرّغ للكتابة الابداعية بعد ان برز في هذا المجال ( وهي ظاهرة نادرة جدا في التاريخ الروسي والعالمي ايضا ), ولازال اسم استروفسكي مطروحا في ريبورتوار المسرح الروسي لحد الان , اذ لا يمر موسم مسرحي روسي دون اعادة عرض لمسرحياته , اضافة الى ان السينما الروسية قد انتجت ( 38) فلما مقتبسا من مسرحياته , ويسعدني ان أشير هنا , الى ان الفنان العراقي الكبير المرحوم قاسم محمد ( وهو خريج المدرسة السوفيتية ) قد اقتبس ايضا من مسرح استروفسكي مسرحيته الشهيرة – (الحب والربح) , التي قدمها في بغداد في حينها .
أما استروفسكي السوفيتي كما اسميناه , مؤلف رواية – كيف سقينا الفولاذ , فانه ايضا بحاجة الى دراسته من قبلنا – نحن العرب – بشكل موضوعي دون شعارات سياسية جاهزة و معلّبة , دراسة نقدية علمية دقيقة تضع النقاط على الحروف كما يقال , دراسة تحدد مكانته الحقيقية في مسيرة الادب الروسي , وتلك مهمة كبيرة تنتظر رجالها من المتخصصين العرب.