23 ديسمبر، 2024 3:38 ص

مابعد فشل الاسلام السياسي في العراق

مابعد فشل الاسلام السياسي في العراق

فشل الاسلام السياسي في العراق يعود لاسباب عديدة , اولها ان الاحزاب الاسلامية التي صعدت للسلطة لم تكن نتاج نضال جماهيري داخلي , وانما برزت في العراق باوامر من بريمر ومن خلفه المخابرات المركزية الامريكية بعد تشكيل مجلس الحكم . والسبب الثاني ان هذه الاحزاب ليس لديها مشروع اسلامي او نمط جديد لبناء الدولة وكل مالديها مجرد شعارات وطقوس لاترقى الى مستوى منهج سياسي محدد لدولة , اما السبب الثالث فيعود الى ان هذه الاحزاب تسابقت في الحصول على موارد تمكنها من الاستمرار في السلطة وشراء الذمم في الانتخابات , لقناعتها بانها غير قادرة على اقناع الجماهير العراقية بتبني مواقفها وهي اساسا لاتملك نظرية واضحة اومواقف مبدأية لادارة الدولة
ولكل هذا وذاك فان النظام السياسي الحالي لم يقدم لنا سوى الموت والجهل والجوع والمرض , كما اشاع روح الكراهية والبغضاء في صفوف المجتمع ,
ولضعف الخدمات المقدمة للمواطنين والامن المفقود , والفساد الاخذ بالاتساع يوما بعد يوم , فقد انكشف زيف وخداع الاحزاب الاسلامية وشعاراتها المضللة , وثبت فشلها خلال ستة عشر عاما من الحكم المجحف والظالم . وقد حذرت المرجعيات من الاضرار والمساوئ التي لحقت بالمواطنين وبعقائدهم نتيجة ذلك . حتى وصلت الى درجة ان الشيخ عبد المهدي الكربلائي قد اوضح مؤخرا ان تراكم الاخطاء دون تصحيحها , وتكرار الاخفاقات سيؤدي الى الهلاك . . , كما تم التاكيد بان العراق قد دخل مرحلة الفوضى السياسية والاجتماعية , ومن جانب اخر انكشف ضعف الدولة في الداخل والخارج وتاثر القرار السياسي بالتدخلات الدولية والاقليمية وخصوصا من امريكا وايران ودول اخرى اقل شأنا
وفي الداخل ظهرت مطالبات متصاعدة لانشاء الاقاليم في البصرة والموصل , وهذه المطالبات لاتستند الى دوافع علمية او موضوعية بقدر ماهي رغبات لتحدي الحكومة الاتحادية لعدم ايفاءها بالتزاماتها تجاه المواطنين في توفير الحد الادنى من الخدمات وخصوصا الماء والكهرباء , او اعادة اعمار المناطق المحررة , مع بقاء الاوضاع السياسية على حالها نتيجة النزعة الانتقامية الحاقدة لكثير من الاحزاب الحاكمة والميليشيات المحسوبة عليها , وسلوكها المتواصل في المزايدات والتضليل المستند على افكار الشعوذة والدجل والتفرقة بين المواطنين , بالاضافة الى تصفية المعارضين لها او زجهم بالسجون والمعتقلات . هذا السلوك الذي استغله الدواعش المجرمين , ومكنهم من احتلال مناطق عديدة من العراق في وقت سابق . ومازال خطر الدواعش يزداد يوما بعد يوم , خصوصا في صلاح الدين والانبار وديالى . نتيجة الاستمرار بنفس النهج الانتقامي المتخلف للسلطة الحاكمة , كما ان هناك دول تشجع على استمرار الصراع الداخلي , لندخل في مطحنة اخرى تسحق الارواح وتدمر المدن , دون ان يلتفت اصحاب القرار السياسي الى خطورة هذا النهج والسلوك , ولجوئهم الدائم الى القمع والعنف , بدل السياسة والحكمة في معالجة المشاكل , مما يقابلها عنف مفرط من اطراف اخرى في حلقة مفرغة لافكاك منها , حتى وصلنا الى مواجهة نسخة جديدة من التطرف الذي بات يهدد مدنا ومناطق واسعة بالسقوط مرة اخرى
ان المستفيد الوحيد من انقسام المجتمع واحتراب اطرافه مرة تلو المرة هم اعداء العراق وشعبه . وقد ثبت بما لايقبل الشك ان الاسلام السياسي في العراق في شقيه الشيعي والسني غير قادر على ادارة الدولة وحماية المواطنين . كما ان الصراع الامريكي الايراني قد وضع العراق مرة اخرى امام مخاطر جدية تهدد بزواله من الخارطة السياسية والجغرافية . ومازال شعبنا يعاني من الاقتتال والصراعات الخفية والمعلنة , بالاضافة الى الجهل والتعصب وعدم تحمل المسؤولية والفساد السياسي والاداري . وقد امتد الصراع الى داخل الاحزاب المؤتلفة في العملية السياسية حتى وصلوا الى طريق مسدود عندما لم يستطع احدا منهم تشكيل الكتلة الاكبر في البرلمان , وقد لجأوا الى التوافق على جلب مرشح قد يكون محايدا , ولكنه اصبح هو الاخر عاجزا عن حسم المشاكل والخلافات . . ان الوطن بحاحة لكل ابناءه والعراق لايضم طائفة او قومية او دين واحد بل هو متعدد الاعراق منذ الاف السنين وهم يتعايشون معا على ارض واحدة ويديرون شؤونهم بالمشاركة العفوية والانسانية , وان اختزال الوطن باحزاب متخلفة قد رتب كل هذه المآسي والحروب والفشل الذريع في ادارة الحكم

وفي ظل هذه الاحداث المضطربة التي تنبئ بمخاطر جدية , قد تكون دامية يتوجب على كل العقلاء تفهم الوضع الشائك الذي يعاني منه العراق , ووقف التوجه الى الفوضى . من خلال العمل على تهدئة الخطاب السياسي اولا ثم التوجه الى من كانوا يصنفون كاعداء للعملية السياسية لمحاورتهم والاستماع لمطاليبهم . خصوصا وان هناك كثير من المنتمين الى الحركات المتطرفة غير مؤمنين بها , ولكنهم يحتمون بها , وهم يحاولون الدفاع عن انفسهم بعد اجتثاثهم ومحاربتهم لحد التصفية الجسدية . ان التاكيد على هذه العناصر وانتزاعها من براثن التطرف سيساهم في تحقيق الاستقرار واعادة البلد الى سكة الامان والسلم الاهلي

ان هناك تجارب كثيرة في العالم عملت على وقف الاقتتال الداخلي وتحقيق المصالحة المجتمعية . . وهذا ماحصل مع الثوار الارلنديين في بريطانيا . وكذلك مع الثوار اليساريين (فارك) في كولومبيا . وقبلها في جنوب افريقيا وكثيرغيرها . وبالرغم من ان لنا خصوصية في بعض مشاكلنا الا اننا يمكن ان نحذوا حذوا العالم في معالجتها , وان الرغبة بالانتقام والاجتثاث واجترار مشاكل وارث الماضي , يجب ان تنتهي وتحل محلها النظرة الانسانية والبناء على الاسس المشتركة التي تجمع الشعب العراقي ولا تفرقه , والتسامي الصادق على الخلافات , ومواجهتها بدل الالتفاف عليها بمشاريع مصالحة شكلية وغبية لاتنطلي على احد

ان الجميع . . من مختلف المكونات والطوائف في مركب واحد هو العراق , وان غرق هذا المركب سيؤدي الى هلاك الجميع . والمنطق العقلاني يوجب مواجهة هذا التحدي بالسلم الاهلي وطوي صفحة النزاعات والعنف المتقابل . وعلى كل محب لهذا الوطن ويرغب في تعافيه ان يمد يد السلام الى كل الاطراف حتى لاولئك المنضوين لحركات معادية . ولا نستثني الا من يصر على التعصب والتطرف , حتى لو كان على رأس السلطة . وعندئذ يمكن اعادة تشكيل العملية السياسية على وفق التنازلات المتبادلة وتثبيت الحقوق بدستور جديد يؤكد على الدولة المدنية , ويضمن حقوق جميع المواطنين على قدم المساواة ولايستثني احدا منهم . ويستند على قواعد القانون الدولي وحقوق الانسان . مع تحقيق العدالة الانتقالية لكل من اساء للعراق وتلوثت اياديه بالدماء او بالاموال على قدم المساواة وتقديمه الى القضاء . مع تفعيل استقلال القضاء الناجز ليحكم بالعدل

ان هذا ليس مقترحا قابلا للنقاش , وانما هو الوسيلة الوحيدة للنجاة سواء من كان قريبا من السلطة او من المعسكر المعارض لها . لان الجميع سيدور في حلقة مفرغة من نزاعات وصراعات . . واقتتال مستمر لانهاية له يزرع الموت ويحصد الخراب . ولامكان للوي الاذرع فليس هناك من غالب او مغلوب . وقد اثبتت الايام ذلك , وان من لايقدم تنازلات سوف لن تقدم له اية تنازلات وسيذهب الجميع الى الهاوية ومن يعاند ويركب رأسه سيقطع راسه بسوء اعماله
. واتقوا فتنة لاتصيبن الذين ظلموا منكم خاصة