الصراعات الداخلية والوصول الى حافة الهاوية
قبل بدء الانهيار الأخير لدى سقوط مدينة الموصل في العاشر من يونيو 2014 , حذرت من حدوث هذا الانهيار ، ولا أخال نفسي منجماً او من يضرب بالتخت رمل ، كما يقال، بل حدسي اعتمد على قراءة ما في جعبة التاريخ من معطيات ومواعظ وعبر ، وتحليل الواقع السياسي المحلي والدولي ، ومن ثم استشراف المستقبل القريب.
فمنذ نهاية نوفمبر 2013 ولغاية منتصف فبراير 2014 , كتبت اربع حلقات في موقع كتابات عن اسباب انهيار الدولة العراقية منذ نهاية السبعينيات من القرن الماضي واستمرارها بعد عام 2003 ، وحذرت من ان الأسباب التي أدت وتؤدي الى الانهيار تتمثل بأربعة ، أولها : اعتماد مبدأ الولاءات لا الكفاءات ، وثانيها: هو انتقال العراق من جمهورية الحروب والخوف الى جمهورية الفساد والظلم ، وأشرت الى ان التاريخ سوف يذكر بان هذه الفترة من تاريخ العراق كانت الأكثر فسادا والأكثر ظلماً ، وحيث أن الظلم – على مدى التاريخ – يذهب بالمُلك فقد ذهبَ بحكم النظام السابق على أيدي من هم أكثر ظلما منه من دول وجيوشها الجرارة ، كذا حال من مارس الظلم في العهد الحالي فلا توجد شكوك في هذا الشأن لدى الشارع العراقي وعلى مستوى النخب من زواله عاجلاً أو آجلاً.
اما السبب الثالث فتمثل بأن السطات الحاكمة التي استلمت زمام الحكم والسلطة في العراق الحديث اعتمدت نظام جمهوري/ شمولي ، في عهد النظام السابق ، وجمهوري / ثيوقراطي في العهد الحالي، وكلاهما لا ينفع العراق ويسير به نحو الهاوية. والسبب الآخر الذي تناولته المقالة الاخيرة هو الطائفية التي كانت كامنة في عهد النظام السابق ومعلنة في العهد الحالي والتي كانت من الأسباب الرئيسة لسقوط مدينة الموصل من خلال سياسات المالكي والزمرالقريبة منه من جهة ، والمتطرفين من السياسيين السنة ومن أسموا أنفسهم برجال ساحات الاعتصام وكلاهما كان ينفخ ليلا ونهارا في بوق الطائفية المقيتة.
لقد ختمت المقالة الاخيرة التي كتبتها قبل سقوط الموصل باربعة أشهر محذرا وداقاً ناقوس الخطر الأخير عندما قلت : ( …. لم تبق ثقة بالهوية الوطنية لدى أبناء الشعب بسبب السياسات الطائفية السابقة والحالية ، وهو ما يهدد البلاد بالتقسيم الى أقاليم والتي بدأت بانعزال محافظات جديدة تقوم على هذا الأساس الطائفي . هذه هي نتاجات السياسات الطائفية ، ليس أقلها الحروب الداخلية وتدمير البلد بكامله ان لم يتناهى ذوي الالباب والعقول النيرة وأصحاب الحكمة لكي يسارعوا بنزع فتيل هذه السياسة الطائفية الممزوجة بروح الانتقام) . وهو ما لم يستمع اليه احد وحدث ما حدث من سقوط ثلث البلد بايدي الجماعات الإرهابية داعش.
أما الدفع بالبلاد الى حافة الهاوية اكثر فأكثر فهو يحدث منذ اكثر من عام ولغاية اليوم من خلال الصراعات الداخلية بين كافة أطراف الأحزاب الكبيرة من الشيعة والسنة والأكراد، ففي الجانب الشيعي نجد صراع العبادي والمالكي من جهة والفصائل المسلحة فيما بينها من جهة اخرى وهو ما دفع وزير الداخلية يوم امس الى التحذير من مخاطر ازدياد سطوة الجماعات المسلحة على الدولة ما جعلها أقوى من اجهزتها الأمنية ومثال على ذلك حادثة زيونة التي حدثت قبل عدة ايام . كذلك الصراع في المعسكر السني بين النجيفي واتباعه من جهة وسليم الجبوري واتباعه من جهة اخرى وكل منهم يهدد الآخر بإقالته ، وهو ما سيلهيهم عن المساهمة ولو بقدر يسير في تحرير مناطقهم المحتلة من قبل الدواعش . وفي الجانب الكردي يحتدم الصراع ويزداد الخلاف في اعلى مستوياته منذ تغيير عام 2003 , وبخاصة حول مسألة منصب رئيس الاقليم . كذلك تخوين احد الاطراف للطرف الآخر بطلبه مساعدة النظام السابق لدى النزاع بينهما في منتصف التسعينيات وهو ما سوف يزيد من الانشقاقات ويهدد وحدة الاقليم.وسيشغلهم عن الصراع مع داعش الذي يهدد حدود الاقليم بشكل مستمر.
الأسباب الأربعة السابقة و السبب الخامس الذي تناوله هذا المقال والذي استجد وتنامى منذ نكسة الموصل ، اضافة الى سبب سادس سوف أتناوله في مقال لاحق يتعلق بالتدخلات الخارجية التي تقع ضمن استراتيجية دولية تهدف الى اخفاء الدولة العراقية نهائياً ، هي التي تدفع بالبلد نحو الانهيار الكامل لا سامح الله والذي لا يتمناه أي عراقي شريف وغيور على بلده وشعبه ومستقبل أجياله.