قال تعالى {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ}
في تفسير مجمع البيان للطبرسي (ت548) {أو يلبسكم شيعاً} أي يخلطكم فرقاً مختلفي الأهواء لا تكونون شيعة واحدة. وقيل: هو أن يَكِلَهم إلى أنفسهم فلا يلطف لهم اللطف الذي يؤمنون عنده ويخليهم من الطاقة بذنوبهم السالفة. وقيل: عنى به يضرب بعضكم ببعض بما يلقيه بينكم من العداوة والعصبية وهو المروي عن أبي عبد الله عليه … وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) ” سألت ربي أن لا يظهر على أمتي أهل دين غيرهم فأعطاني وسألته أن لا يهلكهم جوعاً فأعطاني وسألته أن لا يجمعهم على ضلالة فأعطاني وسألته أن لا يلبسهم شيعاً فمنعني ).
ونحن حين نريد أن نعرف الأسباب التي تؤدي إلى الانقسام والتفرق والتحول إلى طوائف وشيع لابد من معرفة الأساس في ذلك وما هو الدافع وخصوصاً أن هذا الأمر هو سلوك بشري لا يختص بملة أو طائفة فوقوف كل ملة على دين نبيها أو إمامة إمامها سنّة تاريخية نجدها مثلاً في اليهود مع المسيح عليه السلام وفي المسيح وغيرهم مع النبي الخاتم صلى الله عليه واله وهكذا أصحاب النبي تفرقوا من بعده وليس هذا الأمر مختص بالأنبياء فحتى أصحاب الأئمة عليهم السلام كذلك, فمعظم أصحاب أمير المؤمنين لم يكونوا مع ولديه السبطين عليهم السلام وهكذا أيضا من كان مع الإمام الصادق من أصحابة لم يلتحقوا بالكاظم وكذالك حال وفاة الكاظم عليهم السلام وقفت فرقة على إمامته ولم تلتحق بالرضا عليه السلام .. وهكذا حتى في غير الإمامية فمذاهب جمهور المسلمين الأربعة مثلاً وقف كل على إمامة إمامه وهذا الأمر ماض وجار كسنة تاريخية تبقى آثاره إلى يوم القيامة كما تشير بعض الأخبار في تفسير الآية المباركة السابقة.
ولكي نفهم لماذا عندما يلتحق الولي الصالح إلى ربه ينقلب أصحابه القهقرى عن المبدأ ويكونوا فرقاً يتحول بعضهم إلى جبابرة وطواغيت.
يكمن الجواب في فهم نفسية طبقات الأصحاب كبشر مع النبي أو الإمام أو حتى الفقيه والمرجع الرسالي عند حياته..ويمكن إيضاح ذلك في ثلاث نقاط.
أولا : وجود الفرعونية والحسد والمكر وحب الجاه والدنيا داخل نفوس الأصحاب بحكم أنهم غير معصومين إلا أن ما يمنع خروج تلك الصفات السلبية هو وجود الإنسان الرسالي الرباني الصالح بينهم, حيث أن نشأت كيانهم إنما هي بالأساس قائمة على وجود ذلك الولي سواء كان نبياً أو إماماً أو دون ذلك فلصلاحه لا يستطيعون التجاهر بما في نفوسهم, لكن مع ذلك ينمو لديهم حب الذات والوجاهة التي تكون مكبوتة دخل نفوسهم وليس باستطاعة حتى الإنسان الصالح إزالتها, وما إن يلتحق ذلك الإنسان الرسالي إلى ربه إلا ويكون الانقلاب وتخرج بعض تلك النفوس بأساليبها الابليسية محاولة أخذ محل الزعامة الرسالية والسيطرة على الأمور الحيوية فتكون نواة أولى للتسلط والتفرق.
ثانيا: إن فترة حياة الإنسان الرسالي الصالح تشكل لدى أتباعه من العوام حالة شخصانية فهم يرتبطون بشخصيته بالذات بغض النظر عن رسالته واستيعاب عمقها ومن الطبيعي أنه إذا كان الفرد ينظر إلى شخصية الإنسان الرسالي دون النظر إلى مبادئه فإن كل شخص آخر مقرب إليه سيكون مشمول بعنوان الشخصنة فهو محل للتبجيل والاحترام أيضا بغض النظر سواء أكان يحمل مبادئاً أم لا وهؤلاء هم أكثر من تكون لهم آثار سلبية بعد رحيل الأولياء
ثالثا: الجهل وعم معرفة خطورة أن يضع الإنسان نفسه بديلا عن الله تعالى فالأساس إن الله تعالى هو الرب الآمر والناهي ولقد جعل سبحانه وتعالى لكل زمان خصائصه ومميزاته وكلما تقدم الزمن احتاج الإنسان إلى منظومة أوسع من التشريعات, والزعامة هي خلافة لله كيفما كانت سعتها فنفس أولئك الذين ينزون على المنابر نزو القردة إنما تصبح أخطائهم سبباً لنظام الحياة الجائر فكلماً أخطئوا خطئاً عالجوه بآخر حتى تصبح الأمة على كم هائل من التشريعات والقيود التي هي بالنتيجة لحفظ مصالح الزعماء بطريقة أنانية أبليسيىة. فغاية الشيطان أن يكون المقام التشريعي بيد الإنسان مع نزعاته المريضة في الاستحواذ على القدر الأكبر من الميزات الحيوية, عند ذلك تتحول البشرية إلى وحوش متصارعة بدلا من أن تتعض إنسانياً وتتخلق بأخلاقيات السماء .
ومن هنا يمكن أن نعرف الرمح الذي يقتل به المهديُ إبليس في آخر الزمان إذ يقطّع الإمام حبائل التأثير التي يدار بها المجتمع فيطوق سلام الله عليه القيمة الشخصانية الوهمية التي تعبر من خلالها مشاريع الشرور وتُبنى عليها الشيع والفرق والتي يجول ويتربع عليها إبليس ويكمن فيها ويبنى عليها الصراعات والمآسي ومنها تنطلق جيوشه وشياطينه, حيث يصاب إبليس هنا في مقتل.
لذا فأن معرفة فلسفة نظام الحياة من منظور رسالة السماء إنما هو ارتقاء لليوم الموعود وقد أوضح سماحة المحقق السيد الأستاذ تلك المعرفة في كتاب فلسفتنا بأسلوب وبيان واضح كبيان وتوجيه وتعديل لما جاء في كاتب فلسفتنا للشهيد محمد باقر الصدر رحمه الله.