18 ديسمبر، 2024 8:41 م

أسئلة التجديد والإصلاح الديني، التنوير، والتحديث..

أسئلة التجديد والإصلاح الديني، التنوير، والتحديث..

حوار د. سربست نبي مع د. نصر حامد أبو زيد
الاتهامات والمطاعن التي وجهت إلى د. نصر حامد أبو زيد ، لم تكن نتيجة الإطلاع الفاحص والدقيق لأفكاره أو كتاباته، بل كانت جزءاً من مشروع التخلف والتخريف والهجمة الظلامية السائدة ، في العالمين العربي والإسلامي  وبدأت تتسع حالياً لتشمل الفنون وانجازاتها ومعطياتها، وتم اقتطاع بعض النصوص والجمل والأفكار التي طرحها(أبو زيد) من سياقاتها و تقويل بعضها برؤى ومفاهيم متخلفة سلفية عدائية لأوليات وأصول البحث العلمي ونزاهة الضمير والتجرد عن الدوافع الشخصية, وتم توجيه الطعون له عبر بحوثه وكتبه : “نقد الخطاب الديني” و”دور الاتجاه العقلي في التفسير،دراسة في قضية المجاز في القرآن عند المعتزلة” و”مفهوم النص/دراسة في علوم القرآن” و”فلسفة التأويل، دراسة في تأويل القرآن عند محيي الدين بن عربي” و”أنظمة العلامات في اللغة والأدب والثقافة”  و”الإمام الشافعي وتأسيس الأيدلوجية الوسطية” و”إشكاليات القراءة وآليات التأويل”، وعدد من أبحاثه  الأكاديمية المرموقة ومقالاته الكثيرة، التي عمل فيها(د.نصر) على التفريق بين الدين وجوهره ، والفكر والفقه الديني الذي هو صناعة ورؤى واجتهادات بشرية، تلعب فيها المصالح الخاصة دورها الرئيس في التأسيس واستنباط الأحكام وتكييفها في المحط العربي- الإسلامي ، لخدمة هذا الحاكم أو ذاك أو هذه السلطة أو تلك الطبقة , لتبرير كل الجرائم والانتهاكات التي وقعت وتقع على الإنسان والمجتمع بسلطة الفقه المصنوع عبر الفهم البشري وارتباطاته بالمصالح الدنيوية للحكام أو للفئات الحاكمة المتسلطة ولتبرير الانتهاكات التي جرت وتجري عبر التأريخ الإنساني في الماضي والحاضر والخطاب الفقهي الذي لا يكتسب من الدين قداسته ولا إطلاقه وتعاليه ، بل هو الاجتهادات البشرية المحكومة بالإمكانات والمنافع الخاصة والقدرات الإنسانية المحدودة زمكانياً. وتم جراء تلك الهجمة على خلق حالة من التماثل أو التطابق بين الدين والفهم البشري له وتحويل أي نقد للفهم البشري للدين ووضعه خارج توجهه الاجتماعي واعتبار هذا النقد موجها للدين ذاته، واعتمد في التعامل مع نتاجات د.أبو زيد ورؤاه البحثية-العلمية لاستجلاء بنية أفكاره وشكلها التي من خلالها طرح موضوعاته بسوء النوايا المسبقة لقراءته المعاصرة للنصوص الدينية ذاتها ومحاولة تأويلها من خلال الفحص والدراسة للمساهمة في بلورة خطاب معاصر على أساس “الاعتراف بالدين ، في العالمين العربي والإسلامي، بصفته جوهرياً في أي مشروع للنهضة”والحداثة التي يتسم بها عالمنا ، نافياً عن النص الديني ما علق به من خرافات,وتشويهات , لما يحتويه جوهره . فتم وصمه بالـ ((كافر الخارج عن الملة)), وأن على كل مسلم غيور على دينه أن يرفع دعوى أو يشارك في إقامتها ضده لإيقافه عن التدريس, وأن على طلابه أن يمتثلوا لأمر )الله)!!. فلا يجالسونه للعلم ولا للتلقي على يديه, و على كل ((مسلم ابتلي بجيرة أبو زيد))  في السكن والعمل أو السفر ألا يعامله بيعاً أو شراءً أخذاً أو عطاء, وأن على زوجته أن تعلم أنه يُحرم عند جميع الفقهاء وبلا استثناء معاشرة الزوجة المسلمة لزوجها (المرتد) فإذا عاشرته بعد معرفة الحكم فهو (زنا) صراح, تعاقب عليه بعقوبة الزاني المحصن. حول هذا الشأن يذكر د. نصر: إن د. ابتهال يونس / زوجة أبو زيد/ رفضت أن يتكلم أي احد باسمها، طُلقت وهي لم تطلب الطلاق إطلاقاً!!.(د.ابتهال يونس) المرأة الوحيدة  في العالم الإسلامي طُلقت دون أن تطلب الطلاق  بينما هناك ألوف النساء ولسنين يطلبن الطلاق  في المحاكم ولم يظفرن به، وكان لها موقف شجاع عندما أعلنت :أنا جزء من سيرة هذا الرجل وأنا التي اخترته وليس من حق احد في الدنيا، قاضياً كان أم غيره أن يتدخل باسمي  من اجل حمايتي. يؤكد أبو زيد اجتاحتني الجراح على مستويات عدة منها: أنهم يذكرون عنها (زانية) في مجتمع مسلم، وأنا مسلم واعرف ما ذا يعني هذا، واعرف كم (ابتهال) قوية ولكن ما يهمني أمها وإخوتها وأسرتها، وماذا يعني أن يقال عن ابنتهم (زانية)!؟. وقد واجهت د. ابتهال رئيس جامعة القاهرة قائلة له بعد سحب كل كتبه وبحوثه من مكتبة الجامعة: الحكم ضد د. نصر وضدي أمر مفهوم، يُحتقر لكنه مفهوم، أما سحب كتبه  وحجبها ومنعها فهو مُحتقر ولكن ليس مفهوماً.ويضيف إن الجرح الآخر الذي أصابني هو في تدمير  تلك الحديقة الصغيرة التي زرعتها مع طلابي الذين كانوا يعملون معي في الماجستير والدكتوراه، لقد ترك بعض هؤلاء الطلاب الجامعة وبعضهم تعرض للاضطهاد الشديد.كما ألزموا الدولة أن تطبق حق (الردة) عليَّ وعلى أمثالي وأن يستتابوا أولاً وإلا قتلوا وأخذت أموالهم لبيت المال ، الذي لا وجود له واقعاً إلا إذا كان المقصود فيه خزينة الدولة الحالية التي هي أصلاً ليست إسلامية حسب منطقهم بالذات!!.في كل هذا وغيره يأتي الحوار الشامل والمتوهج معرفياً الذي أعده وقدم له د. سربست نبي مع د. نصر حامد أبو زيد* . في المقدمة يؤكد د. سربست أن مادة هذا الكتاب كانت موضوعاً للنقاش بيننا كلما أتيح لنا اللقاء أو التواصل على مدار سنوات عدة، ومن ابرز التساؤلات هو هل مرَ العالم الإسلامي بمرحلتي الإصلاح الديني والتنوير كما تحقق ذلك في أوربا؟. د. سربست في المقدمة يؤكد انه لم  يتوجه إلى محاكاة الآخر وتاريخه بصورة ميكانيكية ووضع ترسيمة لا تخلو من الحتمية والتعسف، تسعى لان تصادر الخيارات الممكنة والمحتملة بالنسبة لمجتمعاتنا، وان تأخرت، لان ذلك توجه مضاد للعقلانية والذي يرى إن مصائر هذه الشعوب والمجتمعات ينبغي لها أن تتماثل مع تاريخ  الآخر الأكثر تقدماً.يرى د. سربست أن هذه الأسئلة ربما تكون هي ذاتها التي طرحها “روسو وفولتير وكانت” سابقاً لكنها في هذه اللحظة الراهنة هي أسئلتنا ، تلك الأسئلة التي ندرك أنها في سياق حياتنا الراهنة  وتاريخنا المعيش كونها المشكلات الكبرى التي يفرزها واقعنا  وتنبثق عنه، كذلك أن صحتها  وواقعيتها وراهنتيها، تكمن في أنها مادة عصرنا  مع إدراكنا للتفاوت التاريخي بين أوضاعنا وأوضاع المجتمعات الأخرى  الأكثر تقدماً، وهو ما ينطبق عليه تحديد “هابرماس” للمجتمع الألماني في المنتصف الأول من القرن التاسع عشر  قياساً إلى أوضاع المجتمعات الأوربية المتقدمة،آنذاك، التي  أنجزت ثورة التحديث وسارت بها شوطاً بعيداً وهذا ما يصفه “هابرماس” بـ”تعاصر اللامتعاصرات”، إذ أن المجتمعات الإسلامية هي “معاصرة الآخر جغرافياً دون أن تكون كذلك تاريخياً” ومن هنا فان الأسئلة، التي ربما، تبدو وكأنها تحاكي وتندغم  بصورة ما مع أسئلة الآخر ولعلها تماثلها في الطرح نسبياً، فهي في مراميها وحقيقتها أسئلة واقع صلد قاسٍ مُجرب ومعيش.من جهة أخرى فان مجرد طرحها هي محاولة للانفلات من هذا الواقع والخروج منه إذ ان اشق المعضلات هي الكيفية التي تطرح بها الأسئلة في الزمن والوقت المناسبين، لأنها تعبر عن ممارسة عملية  تدخل في نطاق الفكر وحريته التي يجب ألا تحد، وعبر الحرية يعيد تشكيل ذاته ويعيد كذلك تشكيل نفسه في عملية تشكيل الواقع ذاته بصفته ذاتاً إنسانية تعيش في الحاضر وتواجه نكوصاته واشكالياته وتحفر في الواقع ذاته وتاريخه من اجل تخطيه وعالمه الراهن، والواقع  ذاته لا يمنح نفسه بسهولة  دون مواجهة نقدية صارمة  وعبر ذلك تكمن معارضة الفكر النقدي لكل سلطة، أياً كانت، أخلاقية، سياسية، دينية، اجتماعية، تسبغ على نفسها وأطروحاتها من دون تفويض من احد مخول بذلك كونه يحمل صفة (القداسة). الحوار الشامل الذي تضمنه كتاب د. سربست نبي مع المفكر د. نصر حامد أبو زيد، والذي يتألف من (182 ) صفحة من القطع المتوسط مع ثبت كامل بكل كتب ودراسات ومقالات وأبحاث د. أبو زيد باللغة العربية واللغات الأجنبية والجوائز والتقديرات التي حصل عليها نتيجتها، وكذلك سيرته العلمية والشخصية، هي أسئلة مقدمة للدكتور أبو زيد في مراحل زمنية عدة ، وليس حواراً جرى بشكل زمني متواصل ، لذ تم وصفه بـ” حوار شامل” ، إذ أن الإجابات لا تخضع لتعليقات ساخنة في ما هو ضروري أو يشوبه بعض الغموض ، من قبل المُحاوِر إلا في مقدمة الكتاب والتي علق عليها د. سربست بإفاضة. لسنا هنا في معرض تكرار الأسئلة أو أجوبتها، أو التعليق عليها، ولكننا سنتطرق إلى مسألتين ، أولهما الموقف من المكونات المختلفة في العالم العربي ، وكذلك الموقف من العراق بالذات. فـ”أبو زيد” ينكر ثمة (فوبيا) إعلامية وواقعية تجاه المكونات العرقية والدينية في العالم العربي ويصفه بأنه “تخوف حقيقي” من شرذمة العالم العربي إلى دويلات،” وبذا فأن ذلك سيرسخ وجود دولة عبرية دائمة في قلب العالم العربي ودويلات أخرى وسيكون فيه :” تحرك التاريخ ضد مساره الطبيعي”!؟. ولم يضع( د. نصر) وهو يتحدث بهذا الشأن (مكر) التاريخ ،ومساراته  المتعددة، ومأساويته في حسبانه؟ فمتى وأين وكيف تميز وسار التاريخ ضمن مساره الطبيعي!؟ أم إن المسألة تبرز بحدة عندما تصل (العراق) عندها يتم الحديث عن التاريخ ومسيرته الطبيعية!؟. ولذا فهو يدعو فقط إلى نوع ” من الاستقلال الذاتي للكرد” في العراق ، ويتجاهل المحن التي تعرضت وتتعرض لها الأقليات العرقية والدينية فيه!! ومن المعروف من خلال الشواهد التاريخية التي لا يرقى لوقائعها الشك” إن أرض العراق ، كانت مأهولة ومتميزة بثقافاتها الغنية و شعبها المتحضر”، وثمة وقائع  ورموز لها جذور مندغمة ومتجوهرة لحد ما في ومع  الثقافة-الجمعية الشعبية العراقية،حالياً، و تعود أصولها  لأزمان ما قبل دخول الدين الإسلامي العراق – سليم مطر (الذات الجريحة).وكذلك من”الأهم أن ننظر إلى الماضي كلاً متماسكاً وليس كطائفة من الموضوعات المقطعة الأوصال”- اريك هوبْزباوْم-. من الضروري أن يُعلم هنا أننا لا يمكن أن نتجاهل أو نتنكر للمنجزات والتوجهات والمعطيات الكبرى التي قدمتها الثقافة ‏العربية – الإسلامية في العراق، في الفقه واللغة والفلسفة والعلوم الصرفة، وكذلك التجليات الحضارية لها والتي برزت عبر رؤى وانجازات متعددة في عصرها الذهبي وبمختلف مدارسها وتوجهاتها وأماكنها والتي تم الاستفادة منها من قبل العالم كله وشعوبه المتنوعة ، بانفتاح ودون عقد دونية تجاه الآخر ، مهما  كان دينه  أو عرقه. لكننا نشير إلى مسعى الاجتثاث الفعلي والقسوة المفرطة تاريخياً التي حصلت تجاه الأقليات في العالم العربي عامة ، و خاصة في العراق، منذ تأسيس الدولة الملكية، تحت توجهات مشروعها القومي أولاً و الوحدوي ثانياً، و ما تعرضت له مكونات رئيسية في العراق ذاته من إقصاء وتهميش وتدمير بنياتها الديومغرافية والثقافية، خاصة بعد عودة البعث((البيضاء)) لحكم  العراق ثانية  في 17-30 تموز عام 1968 ، بحجة أن منحها حقها الطبيعي سيكون  القضاء على ” الثقافة الثرية “، العربية تخصيصاً، التي تعيشها الشعوب المتعددة الأعراق والأديان وتتمزق إلى أشلاء، متناسياً ، د.نصر، أن التوجه الديني الوحشي في زمن الخلافة العثمانية تحديداً، حاول أن يُحرم حتى التحدث باللغة العربية في العراق ، ثم بعد انهيار الخلافة العثمانية جاء دور التوجه القومي العروبي ، والذي واجه هذه الثقافات والمكونات بطائفية واضحة و بغلظة ، محاولاً طمرها وصهرها في بوتقة ثقافية (عروبية) وانه أنكر حتى جذورها العرقية والسكانية ساعياً لاستعرابها وفي العراق بالذات. لكن د. نصر  يعيد صمت اغلب المثقفين العرب عن جرائم النظام العراقي ، ضد شعبه ، لأسباب بعضها  يمكن تلمسه في سيطرة الايدولوجيا (العروبوية) أولاً ثم(الاسلاموية) خلال الحرب العراقية- الإيرانية،مع اعتبارها من قبلنا كونها عبثية تافهة ،أصابت الشعب العراقي وكذلك الإيراني في الصميم و بددت ثرواتهما دون معنى،  ثانياً. و شهدت دعماً غير محدود للنظام العراقي من دول عالمية وعربية لها مصلحة في تعميق الاستقطاب الطائفي إزاء الأوضاع في المنطقة. وبذا نرى أن الصمت الثاني هو عبارة عن نوازع وتوجهات (طائفية) في مراميها و حقيقتها. كما يشخص” د. أبو زيد” أن المثقف العربي في معظم الأحوال يفتح عيناً ويغلق الأخرى ويعيد ذلك إلى” الالتباس” الناتج عن “العشى الليلي” لدى كثير من المثقفين العرب  “كون المعمار دائماً  لديهم سياسي فج” . وكذلك دفاعه حول مسالة”ادوارد سعيد” وتضامنه مع نظام صدام في اجتياح الكويت ، ونحن لا ننكر تماماً ما ذكره  د. أبو زيد ” أن ادوارد سعيد مثقف عربي من طراز فريد” لكننا نُذكر فقط بمواقف ادوارد سعيد الذي بقي دائم التشكك في استخدام النظام العراقي للسلاح الكيماوي ضد أبناء وطنه في كردستان، حلبجة والأنفال ومناطق أخرى في العراق، و صمت “سعيد” عن هذا و حتى نكرانه بذريعة “عدم التأكد أوشح المعلومات” ، والغريب أن يصدر هذا الموقف عن “ادوارد سعيد” ، العقل العالمي اللامع والباهر في ما بعد منتصف القرن العشرين، وهو ذاته الذي  يؤكد” إن علينا أن نحدد معايير الصدق أو معايير واقع الشقاء البشري والظلم البشري وان نستمسك بها مهما يكن الانتماء الحزبي  للمثقف أو المفكر الفرد، ومهما تكن خلفيته القومية،ومهما تكن نوازع ولائه الفطري(….) والمثقف دائماً ما يُتاح له الاختيار التالي: إما أن ينحاز إلى صفوف الضعفاء ، والأقل تمثيلاً في المجتمع، ومَنْ يعانون من النسيان أو التجاهل، وإما أن ينحاز إلى صفوف الأقوياء”- المثقف والسلطة/مستنسخ/ ترجمة د. محمد عناني  (ص21و73)- وقد تغاضى ادوارد سعيد عن تصرف (الجلاد/ الصف القوي حينها)، وهو موقف في حقيقته وتوجهاته وشكوكه يأتي بدوافع سياسية في جوهرها ومراميها، وإلا كيف يمكن أن يسوغ “ادوارد سعيد” اجتياح الكويت من قبل الطاغية ، بأنه لم يكن غير ((مؤامرة وفخ للإيقاع به وبقوته العسكرية التي ستبعث على التوازن في المنطقة))!!. ويمكن مراجعة  المساجلات المحمومة المتكررة ودفوعات  ادوارد سعيد عن سلوك النظام في العراق، والتي أجهد كل إمكانياته وقدراته الثقافية والكلامية اللامعة وسخرها من اجل ذلك ومواقفه المعروفة وغير المبررة تاريخياً وفعلياً تجاه المعارضة العراقية، والقرائن والحجج التي انطلق منها ادوارد سعيد في رفض إسقاط أبشع وأفتك نظام عرفه ومرَّ به العراق ، وبقي يعلنها ويعبر عنها بقناعة تامة، والمتوفرة أغلبها في كتب عدة، وخاصة عن كتاب كنعان مكية: “جمهورية الخوف” الذي شكك و أنكر ادوارد سعيد جميع ما جاء فيه من فظائع ووحشية، ثم انبرى بمواجهة كتاب مكية الآخر “القسوة والصمت/ الحرب والطغيان والانتفاضة في العالم العربي” والسجال معه والردود على أطروحاته فيما يخص النظام العراقي وممارساته الدموية والوحشية خلال أكثر من ثلاثة عقود، ولسنا هنا أطلاقاً في ذم “ادوارد سعيد” والنيل منه نهائياً ،ومعه طائفة واسعة من الكتاب والمثقفين ، وما هو مدهش حقاً أنهم من اليسار العربي، و” قد التقوا جميعهم تحت مظلة واحدة دفاعاً عن(طاغية) لا يحلم إي واحد منهم في العيش تحت مظلته”، ولا يمكن تبرير ، بموجب أية ذريعة ، مواقفهم تجاه الغالبية العظمى من الشعب العراقي بكل مكوناته الاثنية والدينية والمذهبية، وصمتهم البليغ والمتواتر عن فظائع النظام الوحشي العراقي طيلة ثلاثة عقود وأكثر، وعلينا أن نتذكر أن: “الصمت لا يولد من الخوف، بل من فقر الأفكار وضحالتها (….) فالصمت هو ما سماه سلمان رشدي في روايته “أطفال منتصف الليل” ليس إلا: ” ثقباً في قلبي”- كنعان مكيه.  وما أكثر الثقوب، السابقة والراهنة، التي لا تُحصى في قلوب العراقيين.
*”د. نصر حامد أبو زيد: أسئلة التجديد والإصلاح الديني، التنوير والتحديث/ حوار شامل- اعداد وتقديم د. سربست نبي”. مؤسسة حمدي للطباعة والنشر- السليمانية.