18 ديسمبر، 2024 8:13 م

لن يمر الحديث عن العراق وتحدياته، من دون ذكر الفساد المالي والاداري ومكافحته داخل مؤسسات الدولة بشتى الوسائل.ولطالما تحدّث بعض من الجمهور عن وجود شخصيات نافذة في الوزارات والمؤسسات تقوم بسرقة اموال الشعب، وحمّل الجهات الرقابية مسؤولية ضياعها، كما وجّه سهام النقد إلى المحاكم عن عدم محاسبة المتورطين بهذا النوع من الجرائم.من الصحيح القول بأن مؤسسات الدولة تعاني جميعها من ضعف في الاداء وتتطلب النهوض اكثر بواجباتها، لكن تحميل المسؤولية لطرف دون الاخر ليس بالامر الصحيح بل أن مكافحة الفساد تتطلب تعاون جاد بين جميع السلطات.وهنا يأتي الدور على السلطة التشريعية في سن قوانين تساعد القضاء على القيام بدوره بالنحو الصحيح، وكذلك السلطة التنفيذية في تنفيذ ما يصدر عن المحاكم المختصة من قرارات كأوامر القبض ومنع السفر.يتصور للبعض أن القاضي هو من يصنع القانون، ويضع العقوبة للجاني بالنحو الذي يراه مناسباً، فيعاتب الشارع محاكم النزاهة على سبيل المثال بأن احكامها بسيطة ضدّ من يتطاول على المال العام، كالتالي تصدر بالحبس لمدة سنة أو سنتين.لكنّ الحقيقة أن المشرّع هو من وضع الحد الادنى والاعلى للعقوبة، وليس للقاضي أن يتجاوزها والا تعرض قراره للطعن من الجهة القضائية الاعلى منه لمخالفته القانون.
المشكلة الابرز التي تواجه محاكم النزاهة العراقية في اقتفاء اثر جرائم الفساد تتعلق بالدليل، فهو الذي يستند اليه القاضي في اصدار القرار بادانة المتهم عن جريمة التطاول على المال العام.
اغلب الفاسدون هم من اصحاب القرار والمناصب العليا، وهذا لا يخفى على احد، وبالتالي لديهم من الصلاحيات التي تجعلهم يخفون الادلة جميعها، ويبقى القاضي أسير ادعاءات لا تستقيم مع الادانة حتى وان صحّت في ظل عدم وجود ما يسندها من ادلة.
الوقائع الموجودة لدينا في المحاكم، يتعلق اغلبها باتفاقات تحصل خلف الكواليس، فلا وثيقة ولا شاهد ولا اعتراف يحصل بارتكاب الجريمة بعد الاخبار عنها والتحقيق فيها.
لعل الدور الاكبر يقع هنا على الجهات الرقابية وهي متعدّدة، بين مكاتب المفتشين العموميين، وهيئة النزاهة، إضافة إلى ديوان الرقابة المالية، في رصد المخالفات، أو صناعة الادلة من خلال جهودها بالحصول على جميع ما يوثق الجرائم ويسندها إلى المتهم بالنحو القانوني لكي تتم محاسبته من قبل المحاكم المختصة.أما بقاء القاضي يواجه ملفات الفساد المعروضة أمامه، من دون وجود ادلة كافية فيعني أننا نخوض في حلقة مفرغة؛ لان المشرّع يفرض عليه سنداً لاصدار الاحكام لا بعلمه الشخصي أو وفق ما هو يروج له في وسائل اعلام أو بعض الاوساط الاجتماعية بأن مؤسسة أو شخص ما فاسد حيث أن التهم لا تطلق جزافاً.