يَمتاز الوَعي العراقي عادة بكونه مُتناقض في تصَرّفته ومُمارساته مَع قناعاتِه، أو مايَدّعيه مِن قناعات، لذا غالباً ما نرى أن أفعال العراقي لاتتَوافق مَع مايَقوله ويُنَظِّر له مِن أفكار، والتي نادراً ما نَجد لها تطبيقاً في حياته اليومية وتعامُله مَع الآخرين، والأمثلة على ذلك كثيرة قد أشير اليها في مقالات لاحِقة.
مِن هذه القناعات مَقولة “ليسَ الفتى مَن قال كان أبي بَل الفتى مَن قال ها أنا ذا” وهي أساساً بَيت شِعر يقال بأنه لإمام المُتقين وسَيّد الحُكماء علي بن أبي طالب يَعني بأن على المَرء أن لا يَجتر ماضي آباءه وأجدِاده، بل عليه أن يَصنع بنَفسه ولنَفسِه حاضِراً وكِياناً يُعَبّر عَنه وعَن وجوده، وهو تماماً عَكس ما يَفعله الوَعي العراقي، الذي رغم تكرِاره وإجتراره لهذه المَقولة مُنذ أكثر مِن1400عام، إلا أن الفرد العراقي الذي يمثله لا يُطبّقها وهو في القرن الواحد والعشرين ولم يَتعلم مِنها أو يَتّعِظ لأنها لم تتَجاوز طرف لِسانه ولم يَتدَبّرها عَقله، فهو ما زال يَجتَر بزهو فارغ تأريخ بلاده الذي صَنعته أقوام سَكنتها مُنذ آلاف السِنين سادَت وبادَت ولم يَعُد لها مِن أثَر كالسومريين والآشوريين والميديين والبابليين، وهو الذي أستوطن أجداده عرباً وكورداً وفرساً وتركمان وهنود هذه البلاد مُنذ مِئات السِنين فقط، ولكنه يَنكر إنتسابه اليهم بل ويَستعِر مِنهم ومِن تأريخهم المُتواضِع بهذه البلاد، والذي لايَخلو مِن مَحَطات مُضيئة هنا وهناك، وبَدلاً مِن أن يَقتنِع ويَتواضَع ويُقِر بذلك، نراه وبسَبَب مَرَض الإنتفاخ بالشخصية المُزمن لديه يَدّعي الإنتساب لتلك الأقوام، بل ويحاول ترهيم الأمر، مُستغلاً صدفة وجوده بنفس المناطق التي كانت فيها! أو تشابه بَعض مفرداته العامية الحالية مع لغاتها القديمة! رغم عَدم وجود سَند تأريخي مَنطقي يُثبت إنتسابه اليها أو إرتباطه بها، وهو يُصِر على ذلك ليَصنع لنفسه مَجداً وهمِيّاً كاذباً يقنع به وَعيه المَريض وشخصَيّته العاجزة عَن تقديم أي شيء مَلموس في عَصرنا الحالي يُثبت هذا الإدِعاء الزائِف بالإنتساب لأقوام إستِثنائية صَنعَت العَجلة قبل7 آلاف عام في حين يَعجَز هو عَن صُنعِها بَل وصَنع إبرة في القرن الواحد والعشرين، ويَستوردها مِن أقوام ربما تأريخها مُتواضِع ولكن حاضِرها مُشَرِّف، لكنه ما زال يَتفاخر عليها حَتى اليوم بتأريخه المُدّعى.
ولا يَكتفي الوَعي العراقي بهذه الإدِّعائات والأباطيل التي يَخدع بها نفسه مُنذ عُقود، بل إنه يَسعى للنيل مِن الشُعوب الأخرى الحَديثة العَهد كالامريكان والاستراليين والكنديين الذي صَنعوا الحَضارة الحديثة، وغالباً ما يَطعن في كونها دون تأريخ ولا حَضارة، بسَبب شُعوره بعقدة نقص تِجاهها وهو يَراها تصنع حاضِرها ومستقبلها وأقدارها بل وأحيانا مستقبله وقدره هو بعقل لا ينضب مَعينه، وهِمّة لا تلين عَزيمتها، وإخلاص لا حدود له لأوطانها وللبَشرية جَمعاء، في الوقت الذي مازال هو مُكتفياً لاهِياً بإجترار الماضي وإستِهلاك ما تنتِجه هذه الشُعوب. بَدئاً بالأفكار، كالفِكر القومي الذي أستورَده مِن المانيا ومصر، والفكر الإشتراكي الشيوعي الذي أستورَده مِن الإتحاد السوفيتي، والفِكر الرأسمالي والليبرالي الذي أستورده مِن الولايات المُتحدة الأمريكية وأوروبا الغربية. وإنتهائاً بالعلوم والفنون والثقافة والأطعمة والألبسة والكماليات التي يَستوردها مِن أوروبا وآسيا والأمريكيتين وأستراليا.
بالتالي حَيّرتنا في أمرك يا أيها الوَعي العراقي الضائع التائه المُضطرب! إرسالك على بَر! فهَل الفتى هو مَن قال كان آبائي وأجدادي سومريون وأكديون وميديون وآشوريون وبابليون، وجلسَ ووَضَع رِجلاً على رِجل مكتفياً بالتغني بأمجاد الماضي! أم الفتى هو مَن قال ها أنا ذا بأفعاله وإبداعاته وإنجازاته كالأمريكان والأستراليين والكنديين والكثير غيرهم مِن شُعوب العالم التي تصنع اليوم الحَضارة الإنسانية الحديثة ولا تجترّها!!