لم تعد الأمور خفية، ربما تماهت بعض الرغبات الشعبية، وهي قليلة، مع محاولة الصدر وحلفاؤه على فرض إرادة حزبية بصورة تبدو وكإنها شعبية. ولهذا التوصيف من المعطيات ما يجعله حقيقة لا جدل فيها؛ ربما أبرزها الأعتداء على نواب الكتل الأخرى وتبجيل نواب الصدر، وشعارات التظاهرة التي تصرّح عن طاعة لزعيم، ومركزية توجه أحياناً من حساب شخص يدعى (صالح محمد العراقي) فالمظاهرات، باتت تراقب ماذا يقول صالح هذا لتطبق دون نقاش. إذن فالقضية عبارة عن حركة سياسية لا تخرج من إطار المصالح الجهوية. القوى السياسية مجتمعة، رافضة لمبدأ (صدّرنة العراق)، وبالتالي يستحيل إنصياعها تحت وطأة الضغط والتلويح بالشارع. ولا شك إنّ لتلك القوى جمهور يتفوق عددياً على الذين أخرجتهم بيانات الصدر، أو منشوراته عبر مواقع التواصل. غير إنّ ذلك الجمهور، يرتبط مع جمهور الصدر بروابط وطنية وعقائدية وإجتماعية كثيرة، فالجميع يوصف بجمهور التحالف الوطني. أما جمهور القوى الأخرى فغير مهتم كثيراً بما يحصل في بغداد، وله من المشاكل والهموم والطموحات ما ينسيه بغداد ولياليها. على المستوى الإقليمي والدولي، فموقف إيران واضح وصريح برفض الإنجرار لإسقاط مؤسسات الدولة، وهو مشابه لموقف الإتحاد الأوربي الذي وصف ما يجري على إنه تجاوز خطير على هيبة وشرعية الدولة. الأمريكان نظرياً مع شرعية الدولة، بينما أكتفى الخليج والعرب والأتراك بالتفرج سوى تعليقات مسربة عبر جهات شبه رسمية. إذن فنحن أمام معادلة واضحة، رغم بعض الإختلافات على تفاصيلها التي لا تغيّر كثيراً بالنتائج، ومن أهم النتائج والسيناريوهات المُحتملة لأحداث الصدر الجديدة، تبرز أربعة سيناريوهات محتملة، مع تغييرات قد تستحدثها لحظات الحسم والعوامل المرافقة له: الأول/ أن تنحصر الأزمة في التحالف الوطني كخريطة جغرافية، مشكّلة ساحة صراع يتبارز به جمهور القوى السياسية المختلفة. وهذا السيناريو له بعض المحددات، غير إن إصرار الصدر على إستخدام الشارع أعاد تماسك القوى السياسية مع قواعدها الجماهيرية، وهنا نتحدث عن قوى تتنافس بأرقام متقاربة جداً، ولكن الغلبة ستكون لعموم التحالف الوطني، فجمهور (الدعوة، المجلس، بدر، وغيرها من الكيانات) لهم تجربة سابقة مع التيار الصدري إذ يعتبره ذلك الجمهور “سبباً لمشاكل المناطق الشيعية”. ذهاب السيد الصدر إلى التطرف قد يجبر تلك الأطراف على تجاوز بعض المحاذير بأنزال جمهورها المترقب، فيحدث الإنهيار الأكبر. من محددات هدا السيناريو، رأي المرجعية الذي سيتدخل حتماً لفض أي إشتباك، وعقلانية القوى السياسية الأخرى وعدم نزولها إلى الإحتكام إلى الشارع رغم تمكنها. هذا السيناريو يؤدي إلى (لبّننة العراق) قسراً وترسيخ المحاصصة إلى أجيال قادمة. الثاني/ أن تستمر الأزمة في ذات النسق، لتتحول إلى مشكلة طبيعية في حياة العراقيين وتتركز في بغداد وما دونها، وهذا السيناريو يحيل العراق إلى القدر الذي تسعى إليه بعض الجهات حثيثاً. وقد أشار أوباما في زيارته الأخيرة إلى السعودية بأعتباره إن مشكلة العراق لم تعد طائفية، والأزمة “بين الشيعة أنفسهم”. هذه الكلمة تتماهى مع سياق النشاط السياسي التقسيمي، سواء ذلك الساعي لبناء إقليم سني، أو الداعي إلى دولة كوردية. ولعل تغريدات بعض كتاب المملكة السعودية، وأقوالهم في قناة العربية، المرحبة بهذا (الربيع العراقي) الحارق، تكشف أجزاء من المستور. النقطة الأبرز، والنتيجة المنتظرة من هذا السيناريو؛ ذهاب الكورد إلى خطوة متقدمة في طريق الإنفصال، وتحقق حلم بعض الساسة السنة المرتبطين بالخليج في إقليم طائفي. وقد تكون المقدمة لذلك إنهيار مفاجئ لداعش في الموصل.. بمعنى آخر، تقسيم العراق وفق توقيتات تحدد، بينما يبقى المركز والوسط والجنوب مترنحاً بسكرته غير دارياً بما يدور حوله..!الثالث/ يستمر الصدر بأعتكافه، مع أصدار بعض التوجيهات من خلال (صالح العراقي) بغية حل جزئي للأزمة يعتمد على التأويلات، وترك الحكومة تواجه أنصاره الذين سيتقلصون بمرور أيام قليلة، فيخرج نفسه من الإحراج بصفته (مصلح غير مطاع). وقد تبادر بعض القيادات السياسية إلى التواصل معه، لسحب فتيل الأزمة تدريجياً. الرابع/ إقالة العبادي. ربما هذا السيناريو أصبح ناضجاً أكثر من أي وقت مضى، فالصدر هدد بطرح سحب الثقة عن العبادي في حال فشل الأخير في تمرير مرشحي الأول، بينما ينتظر فريق المالكي تغيير العبادي لأسباب معروفة، وترى بقية أطراف التحالف إن العبادي يتحمل مسؤولية الإزمة وسوء إدارتها، ونفس الأطراف تعتقد إن العبادي سمح لأنصار الصدر بدخول الخضراء وإسقاط هيبة الدولة. قوى الفضاء الوطني غير معنية بأمر العبادي الذي لم يستطع إقناع أي طرف بالإنضمام إلى فريقه. وهنا نكون أمام هدف تشترك عليه أغلبية القوى السياسية مع إختلاف الأسباب. قد يجد الصدر حفظاً لماء الوجه والظهور كمنتصر. ورغم إن هذا السيناريو يحقق رغبات قوى التحالف الأخرى أكثر من الصدر، لكنه سيشعر بالإنتصار والقدرة على فرض الإرادة، ويتحرك وفق هذا المعطى الجديد، ولا يمكن أن تتغاضى القوى السياسية، سيما الشيعية، عن الإرباك والتطاول الذي تعرضت له الدولة عموماً، والهجوم على مقار بعض الأحزاب خصوصاً، ولا شك إنها تريد وضع حداً لتلك الممارسات التي يندرج أغلبها تحت بند (الخروج على القانون) و (فرض القوة). المحصلة النهائية: الصدر شخصياً وحزبه، يعيش مرحلة قمة الصعود السريع وسيبدأ قريباً بالتحدرج، ولعل بعض العلامات بدأت تظهر من خلال بيانات الإستنكار الخجولة، والتي في الغالب معتمدة على مخاوف الناس من المجهول، فالأوضاع ليست كما تصورها (سيليفيات) البرلمان المنتهك!..