التركيبة البنيوية الفكرية والعقائدية لأغلبية الشعب العراقي لا تنسجم مع الأسس التي تقوم عليها السلطة الحاكمة التي تدير شؤون البلاد أياً كانت تصنيفها وشكلها سواء كانت مفروضة من جهة خارجية كما هو الحال الآن أو منبثقة بطريقة أو أخرى من بين صفوف الشعب من حيث الشكل لا المضمون .
هذا التباعد النفسي والفكري بين سواد الناس والزمر المهيمنة على السلطة ليس وليد اليوم بل هوواقع يمتد لمئات السنين ويمكن لأي مطلع بتجرد على تاريخ العراق أن يلمسه بوضوح من خلال مسيرة بناء الشخصية العراقية عبر الحقب المتعاقبة وردود أفعال الناس وسلوكياتهم الاجتماعية وعاداتهم وتقاليدهم والإحساس الداخلي بعدم انتماء الحكومة لواقعهم وخصائصهم مما خلق حالة من الاحتراب المباشر الملموس أحياناً و المتجسد بالانتفاضات والثورات والخروج المسلح على السلطة وما يرافق ذلك من تدمير وقتل وتشريد واسع النطاق لسكان المنطقة شرقاً وغرباً أوغير المباشر المخفي في أغلب الأحيان والمتمثل بالسجن والاعتقال والحرمان والأهمال المتعمد والتمايز البغيض بين أفراد المجتمع بعد تصنيفهم على أساس الولاء أو العداء للسلطة .
أن المعادلة غير المتكافئة من جهة طرفيها بالتأكيد حيث أن السلطات تمتلك أدواتها الفاعلة والمؤثرة في قمع كل أنواع المعارضة أو حتى مجرد الأحتجاج بكل قسوة وعنف وتنكيل والتاريخ شاهد على ذلك للمنصفين الباحثين عن الحق والعدل …أما زبانية السلطة ووعاظ السلاطين لديهم على الدوام تخريجات شرعية وفقهية كتبت بأيادي شيطانية لصالح الحكام الفجرة والتي ترسخت في أذهان الناس جيلاً بعد جيل تعمل على ادامتها وتطويرها في وقتنا الحاضر مؤسسات ضخمة وأموال طائلة ترصد بسخاء .
كل هذه الظروف مجتمعة خلقت أنواع متعددة من الشخصيات يتسم بها الفرد العراقي أبرزها وأكثرها شيوعاً الشخصية المقهورة المهزومة التي تنتظر الفرج من قوى غيبية خارجية دون العمل على تهيئة الظروف والاستعداد الفكري والنفسي وبناء القاعدة الموضوعية التي يستند عليها هذا التغير المرجو والمنتظر أو كما يطلق عليه بعض كتاب علم الاجتماع المعاصرين (الأنتظار المخرب) هذا النوع يميل الى الخنوع والاستسلام والرضا القهري ولو على حساب النفس وهي بطبيعة الحال تتهرب من المواجهة وتخشاها .
النوع الثاني هي الشخصية السادية المازوكية التي باتت تنتشر بين شريحة واسعة من الشباب وهي نتاج مرحلة حكم صدام الذي مارس السادية والعنف والقسوة بأشد انواعها من خلال وسائل ممنهجة ومتنوعة وعبر مراحل متعاقبة أدت الى أنتشار الجريمة والانحلال وسقوط القيم والاخلاق والتشتت الأسري والمجتمعي بعد أن كان بناء الأسرة ورصانتها واحد من أهم مميزات التركيبة البنيوية للمجتمع العراقي عبر العقود الماضية ولغاية عقد الثمانينات من القرن الماضي لا سيما بعد أندلاع الحرب الشاملة بين العراق وأيران ومعلوم للجميع حجم الخسائر والتدمير الذي لحق ببنية المجتمع وما لحق بالعائلة العراقية من فقدان لرب الأسرة أو الأبناء وترمل النساء وتشرد الأطفال نتيجة لذلك وما أعقبها من ذل وأنكسار وأستجداء للقمة العيش بسبب الحصار الخانق لسنوات طويلة وبذلك أجتمعت كل العوامل المؤسسة لمثل هذا النوع من الشخصية أسرة مفككة وبيئة غير صالحة وظروف خانقة يرافقها أحساس بفقدان الثقة بالنفس والأخرين وخير مثال على حالة الانهيار والتفكك وغياب القيم والأخلاق ظاهرة الشباب المستهجن شكلاً ومضموناً فأنتشرت مجاميع بلا ضابط ديني أو فكري يحدد سلوكياتهم أو رادع مؤسساتي يلجمهم ويحد من خطورتهم وهو أمر ليس أعتباطياً ولكنه يدار من خلف الكواليس باصابع مدربة بدقة متناهية وخير مثال على ذلك ظاهرة حمل (السكاكين والقامات ) من قبل طيف من الشباب وسط التجمعات الكبيرة في الميادين العامة دون خوف أو وجل وكذلك الضرب بعنف والقيام بأعمال التخريب والحرق للممتلكات العامة ونهبها وسرقتها هذا النوع سهل الأنقياد والتوجيه لغياب الوعي والثقافة ناهيك عن الوجه الأخر المتمثل بالميوعة والتخنث والأنحراف الأخلاقي والذي باتت له منظمات وجمعيات ترعاه وتنظمه بشعارات وأعلام مدعومة دولياً .
أما النوع الثالث هي الشخصية الثورية الوطنية والتي تكون على نوعين أما متمردة ساخطة على كل شيء ولكن ضمن حدود المعقول ودون أن تفقد أتزانها وتخرج عن المألوف أو الشخصية الوطنية المتزنة و الملتزمة بالقيم الدينية والأعراف الاجتماعية وهي التي نتأمل منها خيراً .
ولابد من أشارة هنا أن أغلب الشخصيات التي حكمت العراق بعد 2003 والتي تسمى ظلماً مرحلة الديموقراطية لا تدخل ضمن التصنيف الثالث فالشخصيات التي (نٌصبت) لحكم البلاد كانت سبباً في أشاعة الفوضى والفساد والسرقة وضياع الأرض والمال وأحرقت الأخضر واليابس وهي شخصيات تابعة ومؤتمره تنفذ برنامجاً خارجياً أعد لها ولكم الخيار في تصنيفها ووضعها بالخانة التي تستحقها وأن كان الأمر يبدو واضحاً.