في محيطنا الاجتماعي هناك الكثير من الظواهر والعادات والتقاليد الجميلة التي كانت سبباً في نمو نمط من العلاقات الإجتماعية التي يتميز بها مجتمعنا الشرقي المسلم عموما والعربي على وجه الخصوص .
هذه ألاواصر الاجتماعية كانت من أهم معالمنا الإنسانية التي تضفي على الناس صور من التماسك والتراحم والتعاون والتكافل ، وهي تتلخص بالتواصل والزيارات والملتقيات والتي تبرز صورها في مناسباتنا الإجتماعية وتكون سببا في دوام أواصر المحبة والاخوة تجاه بعضنا البعض .
الكثير من تلك الظواهر المميزة افتقدناها كثيراً بسبب الانغماس الأعمى في بؤر وسائل التواصل الإلكترونية وبرامجها المغرية ، وبالحقيقة لقد تحول العالم الواقعي إلى عالم افتراضي ، وأصبح العالم الإفتراضي لدى الكثير من الناس هو العالم الحقيقي الذي يجدون فيه أنفسهم اكثر الاوقات ، وهكذا جرفت السوشيال ميديا الكثير من إنسانيتنا بعد ان جردتها وسلبتها من أهم ملامحها وهي التواصل الإجتماعي الواقعي .
وبالتأكيد أن المشكلة ليس في نفس البرامج والمواقع الإلكترونية وان كانت بلا شك عامل مساعد رئيسي ، بل إن أساس المشكلة هي نحن (المجتمع) الذين تصورنا ان العالم الإفتراضي ربما يكون فرصة لعلاقات مثالية لم نحظى بها في مجتمعاتنا ، او عندما ظننا انها سوف تكون متنفس لهمومنا ومشاكلنا و محاولة للخروج من الروتين والملل الذي يكتنف حياتنا ، وولكننا تناسينا ان عدم الإستثمار الأمثل للوقت والتخبط والعشوائية التي تحيط بنا هي مشكلة ذاتية ، ومن صنع أيدينا نحن لا الآخرين .
إننا هنا لن نتناول مضار السوشيال ميديا على صعيد الافراد والمجتمعات ومستوى التهديد الذي يتعرض لها على صعيد التفكك الأسري والمشاكل العائلية وبالخصوص الزوجية ، او التأثير الكبير لها على مستوى انتشار الجريمة او التطرف الديني والعشائري والسياسي او الفساد والانحراف الأخلاقي وغيرها الكثير من الظواهر السلبية التي تحتاج الى مجلدات من الدراسات والبحوث العلمية لبيان مناشئها وسبل مكافحتها واستئصالها من الجذور وان كان مثل هذه الدراسات الجدية مجرد أمنيات شبه مستحيلة بسبب عدم إهتمام المؤسسات العلمية والتعليمية والثقافية الحكومية والأهلية عن الخوض بمثل هذه المواضيع الإجتماعية المهمة .
مؤخراً زارني أحد أصدقائي الطيبين لمعايدتي بمناسبة عيد الأضحى المبارك وللسؤال عني وعن احوالي، كان الحزن يعلوا ملامح صديقي بوضوح ، فسألته عن ما يخفيه ذلك الوجه من حزن ظاهر وما هي أسبابه ودواعيه عسى ولعل يكون بمقدروي
(التخفيف عنه منها ) ، فاجأني بقوله :
كم هو جميل ان يكون تواصلنا واقعياً وليس افتراضياً .. لقد تعايدت مع اكثر من (200) صديق فيسبوكي إلا أنني لم اجد مذاقا لتلك التهاني والتبريكات كما اجده عندما يكون ذلك في الواقع ..
ثم أضاف بنبرة اكثر حزناً :
مع الأسف يا صديقي ان العالم الافتراضي تحول لدينا الى واقع الحال ، بحيث أنني وجيراني أصبحنا نتبادل التهاني عبر الفيسبوك فقط !