23 ديسمبر، 2024 2:22 ص

أزمة الإعلام العراقي… أزمة مهنية أم أزمة ضمير؟

أزمة الإعلام العراقي… أزمة مهنية أم أزمة ضمير؟

لصوص النصوص
في أيام دراستي الجامعية، حكى لي صديق تكريتي أن احد أقاربه كان ضابط مخابرات عراقي في زمن النظام السابق، ويعمل بنفس الوقت كإعلامي في قناة الجزيرة القطرية.
وفي أحد الإجتماعات الدورية لإداري القناة في التسعينيات، تناول وزير الاعلام القطري آنذاك ما تم تحقيقه من اهداف خلال العام الماضي وما سوف يتحقق في المستقبل، ثم تطرق الى تكلفة عمل القناة خلال العام الفائت فذكر انها تعدت 360 مليون دولار اميركي. وهو مبلغ كان يفوق احلام العراقيين ايام الحصار بكنز سليمان الاعظم. ثم قارن بين قوة قطر الناعمة التي بنتها من خلال قناة الجزيرة بذلك المبلغ وبين القوة الصاروخية العراقية الضخمة التي كان يمتلكها العراق ثم دمرتها بعثة الامم المتحدة. كانت كلفة الصاروخ الواحد تفوق المليون دولار في زمن الحصار، وبعد ان يتم انتاج عدد كبير من الصواريخ التي تسرق اثمانها من جبنة الفطور وحليب الاطفال العراقيين، يتم تفجيرها مجتمعة من قبل بعثات الامم المتحدة، ثم لا يكف النظام السابق عن تكرار هذه الحماقات الخاسرة!
يكاد لا يختلف إثنان على دور الإعلام في صناعة الرأي العام والتحكم به سلباً أو ايجابا، فإذا كانت الاستخبارات هي عيون البلد، فإان الإعلام هو صوته المؤثر في كل المحافل وفي المجتمعات داخليا وخارجيا، وما قطر إلا مثال للدولة التي يصعب مشاهدتها على خارطة العالم، لكنها حصلت على نفوذ عربي واقليمي أضعاف ما كانت تحلم به، والفضل يعود بذلك للأداء الناجح لقناة الجزيرة القطرية.
بعد سقوط النظام السابق استبشرنا خيرا بوداع عالم الزيتوني وفلسفة الصواريخ والتدريب العسكري في الشوارع، حينما رأينا معظم ساسة المعارضة السابقين وأرباب الحكم الحاليين يرتدون أربطة عنق وبدلات فرنجية ويحملون شهادات عليا ونظارات طبية ويمتنطقون بطريقة ( التفستق والتجحبن)، فقال الجميع: هذا هو عصر المثقفين والإعلام!
ذهبت أيام الصواريخ (التحدي والعابد والحسين والعباس واخواتها) التي كانت تخطف الخبزة من افواه العراقيين، وجاء عصر الديمقراطية والانفتاح على العالم.
وبنفس الوقت، بدأت وسائل الاعلام العربي المعادية ببث آلاف ساعات التحريض المستمر، بعضها لا تزال حتى الان، طائفي كان او سياسي او قومي او حتى اجتماعي!
وهنا كان من المفروض ان يبدأ الرد العراقي عاجلا بتنويع وسائل الاعلام وتحصين الشارع العراقي، فكانت لدينا عشرات وسائل الاعلام الاسلامية والعلمانية والقومية ايديولوجيا، متوزعة بشكل صحف ومجلات وفضائيات واذاعات ومواقع الكترونية لا تعد ولا تحصى!
واصبح للحكومة أكثر من ناطق رسمي، ولكل وزارة عشرات الناطقين، بل وحتى لمدراء الدوائر البسيطة، فقد تفاجأتُ أن حتى دائرة بسيطة مثل صحة المحافظة، لديها ناطق رسمي وقسم اعلامي يضم عددا كبيرا من الاعلاميين!
وكانت لدينا شبكات عديدة، تتناسل مثل نبات الفطر، في متوالية عددية مستمرة حتى الان،ـ مثل شبكة الإعلام العراقي التي فاقت ميزانيتها ميزانية هيئة الإذاعة البريطانية البي بي سي ، من دون أن يكون لها تأثير صحيفة سعودية واحدة مثل الحياة اللندنية مثلاً!!
هذا غير وسائل الإعلام الحزبية للاحزاب الاصلية والاحزاب المنشقة، حتى أن الاسماء كادت ان تنفد من مخيلة قادتها وموسسيها، فتجد مثلا أنّ فضائية حزب الدعوة تنظيم الداخل هي المسار، بينما فضائية حزب الدعوة تنظيم العراق هي المسار الأولى!
وقس نفس الامر على بقية الوسائل الاعلامية المستقلة والحزبية والحكومية الاخرى!
المثير للشفقة فعلاً، أن كل هذه المواقع الاعلامية التي تعدت الالف موقعاً الكترونيا
وكل صحفنا التي تعدت المئات
وكل قنواتنا التي تنوف على الستين قناةً فضائية ومحلية…
تعجز عن مجاراة موقع إرهابي معادٍ واحد مثل موقع أعماق التابع لتنظيم داعش الإرهابي، وتفشل في مواجهة جريدة الكترونية واحدة مثل جريدة دابق!
فضلا عن مواجهة قنوات معادية محترفة مثل الجزيرة واخواتها​!!
لا نزال ونحن نلعب في دوري الإعلام العربي والعالمي، حيث الكل ينظر لنا كخصوم نستحق السحق، بفرق إعلامية مترهلة لا تعرف أبجديات العمل الإعلامي والصحفي ولا تمتلك أية مهارات فردية او جماعية، هياكل بشرية تئن من وطأة الشحوم والمحسوبيات والقرابات ثم نأمل منها أن تصمد في مواجهة المنافسين والفوز بكأس الإعلام!
ولأن الــ ( الما يعرف الصكر يشويه) ، فقد تحولت معظم مؤسساتنا الإعلامية الى مطاعم وأغطية للبطالة المقنعة ، بسببشيوع المنسوبيات واعتماد القرابات العشائرية والعلاقات الشخصية مع مدراء الموسسات الاعلامية والساسة، واعتماد رؤساء ومدراء تحرير صحف ومجلات ومدراء قنوات فضائية ومحلية واذاعات لا ينظرون لمهنتهم سوى كونها وجاهة اجتماعية او مكسب مالي او منبر لجذب الانتباه وتعيين الاقارب!
المفجع في الامر هو انتشار الامية بنوعيها الثقافية والمعرفية بين صفوف المحررين، واعتبار ان الصحافة مجرد سمعة و( هوبزة) وراتب وروتين يومي، بدلا من كونها رسالة ومسؤولية واحتراف.
لذلك فان معظم المحررين لا يقرأون ما يتم نشره، ولا يدققون ذلك إملائيا ولا نحويا ولا اسلوبيا.
كذلك من اعراض الترهل الاعلامي العراقي انتشار المحاباة لبعض الكتاب والمسوليين والوجهاء والعشوائية في النشر والتحرير والسرقات الادبية وخصوصا من الانترنت بدون ذكر مصدر.
والانكى من كل ذلك، عدم الاهتمام بالمواهب الاعلامية الشابة وفتح باب التنافس وعدم ادراك صعوبة التحديات وضعف الواعز الأخلاقي والمهني وعدم وجود قانون لاخلاقيات المهنة ((Code of Ethics.
وقد برز العجز الاعلامي العراقي الذي تعاني منه كل المؤسسات واضحا في الازمة مع البرازني، فعلى عكس هذا الاخير الذي يمتلك عدة قنوات وصحف ناطقة بالعربية، ويجند عددا كبيرا من الكتاب العراقيين العرب، لا يوجد صوت ينقل وجهة النظر الرسمية العراقية الى مواطنينا الكورد، لا صحيفة ولا قناة فضائية ولا اذاعة ولا هم يحزنون!
ولأن (القلوب سواجي) كما يعبرون، فقد اختار بعض الفاسدين من ساستنا كتابا على نهجهم سراق للنصوص مصادرين لجهود غيرهم تطبيقا للمثل الفرنسي القائل ( Qui vole un oeuf vole un boef)
أي ان من يسرق بيضة سيسرق عجلا، وكما يقول المثل العراقي، ( حرامي الهوش يعرف حرامي الدواب) لذلك كانت اختيارات الساسة اللصوص، في المسؤوليات الاعلامية لحرامية النصوص.
الأمر الذي يذكرني بحكاية مغولي دخل في الاسلام بعد احتلالهم بغداد، وكان الخطيب يتحدث عن الجنة وما فيها من نعيم مقيم، وحور وقصور، وشرب وأنس وطرب! هنا انتفض المغولي بعد انتهاء الخطيب، قائلا: هل في هذه الجنة التي تصف يا شيخنا قتال وحرب، وسلبُ ونهب؟ فاجابه الشيخُ بالنفي طبعاً فما كان من المغولي الا ان ينتفض قائلا: إن الجنة التي ليس فيها حرب وضرب وسلب ونهب لهي أسوءُ من جهنم نفسها!
هكذا كان بعض ساستنا يقربون اعلاميين ليس لهم من الاعلام الا الاسم، لكنهم يحترفون تلميع الجزم ومسح البدلات الجوخ واعادة صبغ كل من ( طاح صبغه) في الواقع ليصبح تاجا للراس يخطف انظار السذج! اشباه المثقفين هؤلاء هم سراق حروف ولصوص نصوص، لا يجيدون ان يبدعوا بذاتهم، لذلك تراهم ينبشون في صفحات المثقفين يسرقون افكارهم وينشلون حروفهم وينتحلون نصوصهم كما هي بدون رتوش!
والمفارقة انهم يفعلون ذلك في عصر التكنولوجياـ حيث كل شيء يمكن توثيقه، فضغة زر واحدة على محرك البحث غوغل او حتى في محرك الفيسبوك، تاتيك بتفاصيل النص الاصلي والنص المسروق وحتى تاريخ النشر واسم الكاتب الاصلي والكاتب الحرامي وفوقها ( بوسة).
وقد يمكن التغاضي عن سرقات بعض بسطاء مدوني الفيسبوك لبعض ما نكتب، لكن أن يتم سرقة مقالا كاملا، بحذافيره، وانتحال صفة الكتابة من قبل شبه أمي متثيقف، لهي أم الكوارث.
هو أمر يشبه ما فعله اللص مكاثر ويلر عام 1995، حين أراد سرقة أحد المصارف، حيث كان يضع عصير الليمون على وجهه ظنا منه أن عصير الليمون سوف يساعده على الاختفاء عن كاميرات التصوير لمجرد ان عصير الليمون يستعمل في الحبر السري!!
وهذا بالضبط ما فعله الدعي السارق المتسمي بالشيخ صيهود ال مزعل حين سرق مقالي ( حمودي مو ابنه) والذي نشرته في الساعة الواحدة ظهرا يوم 19/9/2017 على صحفتي الشخصية في الفيسبوك، ثم توالى نشره باسمي في عدد كبير من صفحات الفيسبوك العراقية بعنوان( كتب الاستاذ مؤيد بلاسم على صفحته الشخصية في الفيسبوك : حمودي مو ابنه)..
وطيلة اسبوع كامل كان عدد كبير من القراء يرسلون لي طلبات صداقة ورسائل اعجاب بهذا المقال، حتى فوجئت يوم 27/9/2017 انه تم نشره في احدى الصحف العراقية منسوبا لمن يسمى ( الشيخ صهيود ال مزعل)!
كنت اتحدثُ في المقال الاصلي عن حمودي المراهق الذي يعمل ويكد لكنه بالنهاية يصرف امواله على حبيباته بدلا من امه واخواته!
وقارنته بحمودي سياسي يسرق المال العام ويصرفه على ملذاته هو اولا ومن ثم اعدائه ويترك اهله واخواته!
لكن المفاجئ ان حمودي لص النصوص ( الشيخ) وأمثاله قد تحولوا الى نسخة اردأ بكثير من نسختي حمودي السابقتين!
فهم ينتقدون السرقات ويسرقون، ويحاضرون في الصدق ويكذبون، ويتحدثون عن المظلومية ويظلمون.
وكبادرة تسامح ايضا وباخلاق الفرسان التي يفتقدها لصوص النصوص، أعلن اني مستعد أن اعطي درسا في كيفية كتابة المقالات للشيخ السارق صيهود ال مزعل، كي لا يبتلى به غيري من الكتاب مستقبلا!