عادت العلاقات بين التيارات السياسية في العراق الى مربع الأزمة الأول، وكأن أحد منهم لم يستفد من تجربة الفشل في التصعيد، أو استمرار المراهنة على فخ المحاصصات، ما ينذر يتحديات أكبر من توقعات جميع الأطراف، حيث يقف العراق على مفترق طرق يزيد من ظلامها غياب العقلانية أو القدرة على ادارة الأزمات بلا تشنج، وهي مهمة مستحيلة في واقع عراقي يتلاعب بمصيره سياسيون تجربتهم ولدت عام 2003 أو بعدها.
يتحدثون عن فتنة سياسية وأجندات خارجية، ويرفعون الصوت بمناسبة أو بدونها، يكثرون من العويل الطائفي، ويجهلون فن التلاعب بالكلمات لقياس نقاط القوة أو الضعف في المواقف والتوجهات، ويذهبون الى ما هو أخطرمن ذلك بركوبهم موجة تقديس الأشخاص، لا تمجيد ولائهم الوطني، ما يضع العراق وأزمه في آتون أزمات تلعن كل واحدة أختها، لأن المتضرر هو شعب العراق ، الذي فقد الأمل بقدرة سياسييه على وضع خطوة بالاتجاه الصحيح.
ليس هناك من فريق سياسي عراقي لم يشارك في أجندة خارجية، خاصة وأن جميع القوى الحالية ودت أنفسها في مركز التأثير بارادة أجنبية ، الا وهي أجندة الاحتلال، ما يجعل من العزف على هذه الاسطوانة المتهالكة جزءا من الالتفاف على الحقيقة، وكأنهم يراهنون على ذاكرة عراقية مثقوبة، أو على سرعة نسيان الشعب من خلال افتعال المزيد من الأزمات، ما يدفع الى التساؤل عن طبيعة التوافقات ومدى تأثرها بالضغط الخارجي، مقابل ابتعادها المزمن عن مزاج المواطن العراقي.
وما يزيد الطين بلة، هو عدم قدرة السياسيين على مجرد التفكير بطي صفحة الماضي، والشروع بمنهج وطني عراقي يترفع عن كل التوافقات والمحاصصات، وغيرها من عثرات الاحتلال ، رغم أن كل ما جرى ويجري منذ عام 2003 ، هو نحت ممنهج لايذاء نسيج الأخوة العراقية، دون أن يتنبه العقلاء مبكرا لهذا الاحتلال الأخطر من العسكري، لانه يتربع بيننا دون القدرة على مواجهته بدون العودة الى عراقيتنا، التي يحاول سياسيون وضعها على الرف أطول فترة ممكنة، وكأنهم يستمدون البقاء من تغيب المشروع الوطني، وهي مفارقة لا تقل في خطورتها عن قدرة البعض على تغيير مواقفه من الضد الى النقيض، والعكس صحيح، لتختلط الأوراق ويضيع ” رأس الشليلة”، ولو مؤقتا على الوطنيين الكثر جدا في العراق.
لماذا يصعدون الموقف بمناسبة أو بدونها، ولماذا يدفعون العراق وشعبه الى مقصلة المجهول، و منذ متى يقتل الجيش العراقي شعبه وتحتقن النفوس؟ ومن المستفيد من استمرار الأزمات بكل أشكالها، الجواب على ذلك تجيب عنه نظرة حزن عيون العراقيين ، وسوداوية تأملاتهم المستقبلية، بعد أن بات في حكم المنتهي استحالة المراهنة على حكمة السياسيين، حيث غاص أغلبهم في وحل الحسابات الضيقة جدا، واستبشر غيرهم باحلام العصافير على رمال متحركة، ربما ستفقد كثيرون المتبقي من القدرة ى مواجهة الحقيقة، وهي أن وحدة شعب العراق لن تكون تجارة في سوق مضاربات سياسيين ، يتفقهون بالتجارة أكثر من السياسة.
أن الشعوب التي لا تطالب بحقوقها سلميا لن تكون مؤثرة حتى في محيطها الضيق، وأن من يراهن على سكوت مزمن لهذه الشعوب هو أشد وهما من الذي يحلم برسم اللون الواحد في العراق، فهذا بيت كبير يضيق جدا عندما لا يتسع لجميع أبنائه، لذك يخطأ السياسيون عندما يوجهون بوصلة اهتمامهم بعيدا عن أخوة العراقيين، فلم يتعود هذا الشعب في تاريخه حزبا منغلقا على جماعة دون غيرها، مثلما تأنف أذان أذانهم من سماع نداءات الفتنة ، مؤطرة بفحيح أفاعي يسعدها ايذاء أخوة العراقيين وهيبة وطنهم، فابعدوا من فضلكم رياح الفتنة عن أهلنا فقد ذبحتم احلامهم بما فيه الكفاية، وهنا يبدأ دور المرجعيات الدينية والعشائرية في الانتصار للمشروع العراقي، طالما أن ليبرالية الأحزاب الوطنية غائبة عن مكانها الصحيح، لاسباب كثيرة أخطرها لبس ثوب السياسة باسم الدين، وبعد ذلك عباءة المذاهب، وهو ما لا يناسب جسد العراق المتناسق في أخوة شعبه!!
رئيس تحرير ” الفرات اليوم”
[email protected]