المجتمع يعيش أزمة أخلاقية متنامية منذ بدء عهد الجمهوريات , وقد تعاظمت وبلغت ذروتها بعد عام ألفين وثلاثة.
والأزمة الأخلاقية هي جوهر الطاقة السلبية الفاعلة والمعبَّر عنها بالسلوك على جميع المستويات , وفي أروقة الذات الفردية والإجتماعية والسياسية وغيرها.
إنها محنة شاملة مدمرة , ومن الواضح أنها تجسدت بالرذائل والقبائح والتفاعلات السيئة المقيتة المنافية لقواعد ومعايير الدين المُدّعى , وربما يُنظر لمحنة الأخلاق فيما مضى بزاوية أخرى , لأن الأنظمة لم تدّعي الدين , لكن الحاضر الساخن تقدمت فيه أحزاب تدّعي الدين , وتقول بأنها أحزاب دينية , وما أبدت في سلوكها ما يشير إلى أخلاق الدين الذي تدعيه , ولم يظهر فيها الفهم والوعي لكتابه المبين.
وقد أوجعت الأخلاق وشوهت القيم والمعاني السامية بالفعل المشين , فالذي يرفع راية الدين يجب أن يترجم بفعله أخلاقه وقيمه , فكيف يكون الفساد عميما وفاعلا في دوائر الدولة , والذين تراهم من المسؤولين من الذين سيماهم في وجهوهم , حتى لتحسب أنها مصطنعة للخداع والتضليل.
” مَن لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم” حديث نبوي
فما هي أوجه الإهتمام بالمسلمين في البلاد؟
ولماذا يعذبون بالحرمان من الحاجات الأساسية ؟
والأموال تنهب والشعب يعاني القهر وسوء الأحوال وغلاء المعيشة , وتعسر الظروف ويضيق الأفق أمامه حتى ليشعر بالإختناق والضجر الشديد واليأس المقيم.
فالذي يدّعي الدين ويتخلق بأخلاقه , عليه أن يثبت ذلك بالعمل ” فالدين العمل” وليس مظاهر وخداعات وأضاليل وإمعان في تجهيل العامة وتغريرهم , ودفعهم إلى ما يمنع عنهم السعادة والحرية والكرامة والتقدم في الحياة.
أخلاق الدين حميدة وفيها جوهر الفضائل الإنسانية والقيم السامية لأكرم مخلوقات الوجود وهو الإنسان,
الذي حباه الخالق العظيم بالعقل والقدرة على الإبداع والإبتكار , والتفاعل الخلاق مع واقعه والمستجدات القائمة في محيطه , وضخ فيه طاقة الإرادة اللازمة للإرتقاء بوجوده إلى أسمى المعاني وأرقى الصفات.
و ” خير الناس مَن إنتفع به الناس”.
فما هي المنفعة التي يمنحها المدعون بالسلطة والدين, وما هي الإنجازات الفاضلة والأعمال الرحيمة , وكم قدموا لتحقيق سعادة الإنسان , وكم أنجزوا لتحقيق تعاسته وأوجاعه وطرده من موطنه ودياره؟
وكم قتلوا وفقا لإرادة السفاحين الحافين بالكراسي العامرة بالفساد والرذيلة , والإقدام على إرتكاب أسوأ المساوئ؟
إن ما حصل هو تمكن النفس الأمارة بالسوء من السلوك , وإمعانها في إطلاق ما فيها من الغرائز والرغبات الشرسة المتوحشة , التي لا تعرف إلا الوصول إلى الإرضاء الآني , والذي تدمر بسببه أية قوة أو ممانعة تقف أمامها.
وقد إستهترت النفس الأمارة بالمساوئ وحققت إنجازات مخزية أصابت الدين بمقتل , وسحقت الأسس الأخلاقية والقيم الدينية ولازالت تتفاعل بطاقة عالية , ولايمكنها الإستسلام لقوى النفس العلوية التي أصبحت ذليلة محاصرة ومكبلة بقيود ثقيلة.
“واجعل نفسك عدوا تجاهده”
وما عادت هذه النفس الفاعل عدوا يجب مجاهدته بل صديق وعون لأن الرغيات إنفلتت وتمكنت.
ووفقا لما يتحقق في الواقع فأن الأزمة الأخلاقية هي العاصفة في أركان الدولة والمجتمع , ولايمكن الخروج من هذا المأزق المروع, إلا بوجود القادة القادرين على الوعي الأخلاقي وتوفيق السلوك مع الأخلاق, وإلا فمن العدوان على الدين أن يدّعيه مَن يدعيه , وفي سلوكه لا تجد أي خلق ومعنى له , فلا يمكن للدين أن يكون قناعا وخطابا ومظهرا , إنه وعي أخلاقي وسلوكي.
و:”إن الله إرتضى لكم الإسلام دينا فأحسنوا صحبته بالسخاء وحسن الخلق”
فأين ما نراه من الدين؟!
وأين الذي يجري من قول الرسول الكريم ” إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق”
وهذا ملخص المأساة ومنبع الويلات , فالمجتمعات بأخلاقها وسلوكها القويم , و”إنما الأمم الأخلاق ما بقيت …فإن هُمُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا”.
فلترعوي الكراسي وتنظر وتتدبر!!