22 ديسمبر، 2024 11:27 م

أزمةَ وقاية وعلاج (الاستفتاء)

أزمةَ وقاية وعلاج (الاستفتاء)

أغالب الأمراض في بدايتها سهلة العلاج, صعبة التشخيص , بينما وهي في حالة متقدمة تكون سهلة التشخيص صعبة العلاج, إن القدرة على تحديد وتشخيص المشاكل قبل وقوعها , وبعد دراسة المقدامات التي أدت أو التي ستؤدي إلى نتائجها الحتمية , و وضع العلاجات المناسبة لها قبل استحالة لمرض عضالا , و قراءة الواقع والأحداث وفق المعطيات المتوفرة والتنبؤ بنتائجها , إنما هي صفة الحكماء والمفكرين وأصحاب الكياسة , والتي يفتقر إليها الكثير من الساسة والمتصدين للعمل السياسي وأصحاب القرار , إن الافتقار لهذه الخصلة , كان سببا للكثير من المشاكل التي عصفت بالبلاد , و كان أخرها مشروع الانفصال الكردي.
لقد خطط الكرد لهذا المشروع بعناية تامة, ومنذ زمن طويل, فهو ليس وليد اللحظة كما يظن البعض , أو نتيجة ظروف آنية معينة. لقد خاض الكرد غمار العمل السياسي بعد عام2003, وحصلوا على مناصب سيادية مهمة ,أكثر من استحقاقاتهم الانتخابية , رؤساء جمهورية و وزراء ونواب ومدراء عامون وقادة كبار في الجيش العراقي , عملوا ومهدوا لأكثر من ثلاث عشر عام مضت, لهذه اللحظة ( مشروع الانفصال) باستثناء بعض الشخصيات التي غلبت الطابع والحس الوطني على القومي منهم, علاقات خارجية , وعقود ومشاريع اقتصادية وعسكرية أيضا ,عملوا عليها وسعوا إليها تحت غطاء وعناوين الحكومة الاتحادية , وبعناوينهم الحكومية الرسمية , بمعزلٍ تام و دون علم الحكومة ,وبعلمها أحيانا, وغض الطرف أحيانا كثيرة , تسويق للنفط وفتح واستحداث منافذ حدودية , واستقطاع أراض من المحافظات المجاورة وضمها للإقليم ,خارج ما يسمى بالخط الازرق, وتجاوزات أخرى كثيرة , على مدار السنوات الماضية , يقابلها صمت حكومي مطبق , دون مبالاة و مسائلة , وتحديداً للصلاحيات , فكان هذا التراخي في تطبيق الدستور والقوانين الخاصة بهذه التجاوزات , قد اعطى للكرد دافعا معنويا , وفتح شهيتهم إلى التمادي والتمدد أكثر فأكثر , بعد إن لاحظوا ركاكة الاجراءات وافتقار الحكومة للحنكة ,وغياب القدرة على استقراء النتائج المستقبلية, وتحليلها من خلال ما يتوفر من معطيات ومقدمات ,ونشغال الحكومة وتكريس طاقاتها للحرب ضد عصابات الدواعش , فكانت كل هذه عبارة عن مقدمات , و فرصة ذهبية للكرد , لتمرير مشاريعهم الانفصالية, مستغلين هذه الثغرة أبشع استغلال ممكن , في وسطٍ اتحاديٍ مضطرب , مشغولا بالمناكفات السياسية والحزبية والاستحقاقات الشخصية , حتى وقعت الواقعة , وامتاز الأخيار عن الأشرار, وطفت على السطح كل المخططات , التي تم طهوها على نار هادئة , بوقود البصرة وخيرات الجنوب وبنكه كردية اسرائيلة, , فستحال المرض عندئذ ليكون عضالاً, أو هو اقرب لذلك, فما كان على الحكومة اليوم إلا إن تصدح بتصريحاتها الرنانة ,التي لم ترتقي لمستوى الحدث , وقد افتقرت كثيرا في خطاباتها للحنكة والمهارة السياسية , فليس من الصواب إن تطلق التصريحات التي تنفي في خطاباتها ,الخيار العسكري كجزء من الإجراءات المتخذة بحق هذا التجاوز السافر على وحدة العراق وارضيه , فربما نفي هذا الخيار قد يبعث برسالة طمأنينة للساسة الكرد , وبالتالي يزيد من اندفاعهم وإصرارهم على مشروع الانفصال , كان من الأولى على السيد رئيس الوزراء إن يتحدث بلغة أخرى أكثر عمق وحنكة وان يقول , سندافع عن وحدة العراق بكل ما لدينا من إمكانيات ونتمنى إن لا نصل إلى الخيار العسكري , نعم يفترض إن يكون الخطاب بهذه الشاكلة وبهذا اللون , إن لا ينفي أو يثب الخيار العسكري , ليكون مبهماً لدى المُخاطب , والتلويح به من بعيد , مما يؤدي إلى خلق اضطراب وضبابية في فهم الإجراءات التي ستتخذ جراء هذا المشروع , فعسى إن ينفع الدواء بعد إن وصل الداء لمراحلٍ متقدمة …