22 ديسمبر، 2024 7:54 م

أزمات عراقية متنوّعة وقاتلة ومتجدّدة!

أزمات عراقية متنوّعة وقاتلة ومتجدّدة!

تنوّعت، منذ عقود، الأزمات المُرهقة والقاتلة للعراقيين، وصارت حياتهم مليئة بمئات الأزمات المُتجدّدة والمُهلكة، الظاهرة والخفيّة، وأبرزها الانفلات الأمني، والسلاح المُنفلت، والأمراض النادرة والغريبة وغيرها!
وكان العراق، خلال الأسبوعين الماضيين، ساحة للمواجهات الأمنية والسياسية، حيث وقعت العديد من الحوادث، وربّما، كان استهداف السفارة الأمريكية ببغداد، فجر 8/كانون الأوّل/ ديسمبر 2023، الحدث الأبرز، وكذلك الهجمات الصاروخية الثلاث المُستهدفة لقاعدة “عين الأسد” الأمريكية بالأنبار الغربية.
وأعلن جهاز الأمن الوطني العراقي، بذات اليوم، تَعرّض مقرّه ببغداد لاعتداء من مجاميع “خارجة عن القانون”!
وهذا يعني أنّهم يعرفون الأطراف المنفّذة، وهنالك عقبات تحول دون ملاحقتهم!
وبعد يومين زار رئيس حكومة بغداد محمد شياع السوداني “الأمن الوطني”، وأكّد تخويلهم لردع “الجماعات الخارجة عن القانون”!
واتّهمت السفارة الأمريكية ببغداد “الميليشيات المُتحالفة مع إيران” في تنفيذ الهجمات، وأكّدت احتفاظها ” بحقّ الدفاع عن النفس”.
وكان ردّ السوداني، بعد الهجمات، حادّا، بعد أن كانت ردوده السابقة، وبعد هجمات مماثلة، متوازنة، وربّما غامضة!
وأكّد، هذه المرّة، بأنّ المجاميع المعتدية على البعثات الدبلوماسية والخارجة على القانون تقترف إساءة ” ولا تُمثّل إرادة الشعب”!
وعاد السوداني أمس الخميس ليُصرِّح بأنّ” الاعتداء على السفارة الأميركية ومطار أربيل عمل إرهابي”.
وهذا تصعيد جديد وخطير، ولكنّ السؤال الجوهري هل السوداني مستعدّ، بعد تصريحاته “النارية”، للدخول بمواجهات أمنية وسياسية، وربّما، مجتمعية مع الجماعات المسلّحة؟
وجاءت تهديدات “أبو علي العسكري”، المسؤول الأمني لحزب الله العراقي، لتُحرج الحكومة، وتُربك المشهد العامّ، حيث أصرّ على أنّ” عمليّاتهم الجهادية ضدّ الاحتلال الأمريكي ستستمرّ، وأيّ حماقة أمريكية ستواجه بردّ مضاعف”!
فهل هذا التحدّي يستهدف حكومة بغداد أم واشنطن؟
واتّهم لويد أوستن، وزير الدفاع الأميركي باتصال مع السوداني، “(كتائب حزب الله وحركة النجباء)، المصنَّفتين على لوائح الإرهاب والمدعومَتين من إيران، “بالمسؤوليّة عن أغلب الهجمات”!
وكان تحذير السوداني لأوستن غريبا ومثيرا للجدل، حيث حذّره من “ردّ واشنطن المباشر على الهجمات دون موافقة بغداد”!
وأظنّ أنّ النتيجة واحدة، وهي توجيه ضربات أمريكية “للسيادة العراقية” كما تقول الحكومة، وعليه ما الفرق إن كانت الضربات الأمريكية بعلم الحكومة أو دون علمها؟
وأعلنت بغداد الخميس الماضي القبض على بعض المُهاجمين للسفارة الأمريكية، وأنّ بعضهم على “صلة بأجهزة أمنية عراقية”!
وجميع هذه المعطيات تؤكّد أنّ العراق سيشهد المزيد من التعقيدات والأزمات بالمرحلة القريبة المقبلة، وربّما، ستكون سببا لإضعاف السوداني أو لنهاية حكومته!
ومع هذه المناحرات الأمنية والسياسية تتنامى في العراق منذ عقود مشكلة الأزمات المناخية المهلكة للإنسان والحياة!
وشارك العراق في قمة (COP28) بدبي، بداية الشهر الحالي، بوفد كبير برئاسة رئيس الجمهورية عبد اللطيف جمال رشيد، والعديد من الوزراء والمستشارين والخبراء!
وتأتي المشاركة بتوقيت أكّدت فيه وكالة “بي بي سي”، بتقرير نشرته يوم 28 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، بأنّ العراق يحتلّ المرتبة الثانية عالميّا، بعد روسيا، بمستويات التلوّث البيئي، ويحرق نحو 18 مليار متر مكعّب من الغاز سنويا!
وارتفعت نسب التلوّث بالعراق بعد العام 2003 عشرة أضعاف النسب السابقة، ممّا دفع الخبراء لدقّ ناقوس الخطر!
واقعيا، هنالك عدّة عوامل باعثة للتلوّث بالعراق، ومن أبرزها مخلّفات الحقول النفطية، وتسرّب غاز “الميثان” من شبكات المجاريّ الصحّيّة المتهالكة، والصرف الصحّيّ في الأنهار، ومخلّفات الحروب والعمليّات العسكرية، والاختناقات المرورية التي تساهم بتلوّث الهواء، وبالذات في العاصمة بغداد، حيث بلغت أعداد السيّارات فيها ثلاثة ملايين سيّارة!
ويمكن تقليل التلوّث البيئي والمناخي بعدّة طرق علمية ومجتمعية وأبرزها الأحزمة الخضراء حول المدن والمناطق المفتوحة، ومحاربة التصحّر، وتطوير وتشجيع النقل الجماعيّ وغيرها.
وبموجب هذه الحقائق المخيفة يفترض التدخّل العاجل والسريع لتنفيذ خطّة وطنية لمكافحة التلوّث المناخي، والنظر إلى تدابير واستراتيجيات مكافحة تَغيُّر المناخ على أنّها مسؤوليّة إنسانية وأخلاقية، بسبب آثارها قاتلة للجميع.
إنّ التغاضي عن أهمّيّة الهواء وسلامة المناخ جزء من المساهمة في قتل المواطنين بصورة تدريجيّة وخفيّة، وذلك لأنّ الحفاظ على البيئة السليمة لا يقلّ مكانة عن ضرورة توفير الطعام والشراب، وربّما فاقت أهمّيّته أهمّيّة الاحتياجات الإنسانية، ومنها الغذاء والماء، لأنّ خلايا الدماغ البشري تبدأ بالموت بعد دقيقة بدون أوكسجين!
فكيف سيكون مصير صحّة الإنسان حينما يستنشق الهواء الملوّث طوال حياته؟
انطلاقة بناء العراق تبدأ من الأمن، والحفاظ على السيادتين الداخلية والخارجية، والبيئة النقية، وإلا فجميع الفعّاليات والبيانات والتصريحات لا تعالج المعضلة!
ويفترض بمَن يهتمّ بالمناخ أن يُرتّب بيئة آمنة وبُنيّة تحتيّة سليمة، أمّا في ظلّ الواقع الأمنيّ الهشّ، والخدمي المُرهَق، والسياسي المتناحر، فلا أعتقد بأنّ الحديث عن المناخ يُمكن أن يَجد أيّ اهتمام لدى المواطنين!
ابنوا العراق بالأمن، ورمّموا هيبة الدولة بالحزم، وحافظوا على سلامة المواطنين وصحّتهم، وإلا فسنبقى ندور في دوّامات مليئة بالأزمات الأمنية والسياسية والمناخية والإنسانية!
الأزمات التي لا تُعالج، بحكمة وسرعة، ستولّد أزمات أكبر وأخطر، فمَن يُمكنه معالجة أزمات العراق، وإنهاء أوضاعه السقيمة القاتلة؟
dr_jasemj67@