23 ديسمبر، 2024 6:56 م

أروع ما عرضه المؤرخ الفرنسي غوستاف لوبون عن سلوك الجمهور خلال الأزمات والتجمعات المختلفة !!

أروع ما عرضه المؤرخ الفرنسي غوستاف لوبون عن سلوك الجمهور خلال الأزمات والتجمعات المختلفة !!

يعد غوستاف لوبون من أكثر المؤرخين والكتاب الفرنسيين إثارة للجدل بشأن سلوك الجمهور والجماعات،وهو بالاضافة الى كونه طبيبا، الا ان إسهاماته في تفسير سلوك المجتمعات كان لها الريادة في تفسير سلوك الكثير من الثورات والنضم السياسية، وهو الاكثر من أنصف العرب والاسلام كمباديء ودين سماوي، أكثر مما أوضحه العرب أنفسهم ، وشن هجمات دعائية ضد اليهود ووصفهم بأنهم بدو متخلفون ما ان سكنوا في ارض فلسطين مركز الثقافة والفكر ، واذا بهم لم يستفيدوا من غزارة حضارتهم وعلمهم واهتموا بمحاولات التآمر وحياكة الحيل والالاعيب، أكثر من إهتمامهم بالعلوم والخبرات!! وما يهمنا من هذا العرض هو تفسير غوستاف لسلوك الجمهور خلال التجمعات وفي أوقات الازمات وفي كل تجمع ، وما يميز بين سلوك الفرد وسلوك الجماعة، وهناك مثل عربي يقول ( من رافق القوم أربعين يوما صار منهم ) الا ان نظرية لوبون تنسف هذه المقولة بأنها قد تحدث في دقائق حتى ينقلب الجمهور ضدك هياجا ، حتى ان بعض المثقفين ومن هم محسوبون على الطبقة الواعية واذا بهم ينحدرون بتفكيرهم الى سلوك الجماعات لحظة هيجانها!! وأود الاشارة قبل ان أغوص في عرض أفكاره ان لوبون يحاول قدر الامكان أن يوصف سلوك الجمهور في التجمعات بأنه أقرب من سلوك ( الغوغاء ) من سلوك الناس الأسوياء ، ويضطر الفرد للتناغم مع سلوك الجماعة حتى وان تعارض مع قيمه وفلسفته السياسية ومثله العليا، حتى ان يشبه الجمهور بـ (العميان) الذين ينقادون بسهولة تحت ضغط من يقودهم وهم الجماعة !! ومن أقواله المهمة والمأثورة لتفسير سلوك الجمهور:
**إن الفرد ما ان ينخرط في جمهور محدد حتى يتخذ سمات خاصة ما كانت موجودة فيه سابقا , او يمكن القول انها كانت موجودة ولكنه لم يكن يجرؤ على البوح بها او التعبير عنها بمثل هذه الصراحة والقوة!! ** الجماهير مجنونة بطبيعتها..فالجماهير التي تصفق بحماسة شديدة لمطربها المفضل او لفريق كرة القدم الذي تؤيده تعيش لحظة هلوسة وجنون .. والجماهير المهتاجة التي تهجم على شخص لكي تذبحه دون ان تتاكد من انه هو المذنب هي مجنونة ايضاً .. فاذا ما احبت الجماهير دينا ما او رجلا ما تبعته حتى الموت كما يفعل اليهود مع نبيهم و المسيحيون المتعصبون وراء رهبانهم والمسلمون وراء شيوخهم .. والجماهير اليوم تحرق ما كانت قد عبدته بالامس و تغير افكارها كما تغير قمصانها!! **إن الجماهير غير ميالة كثيراً للتأمل.. وغير مؤهلة للمحاكمة العقلية ولكنها مؤهلة جداً للانخراط في الممارسة والعمل والتنظيم الحالي يجعل قوتها ضخمة جداً .. والعقائد الجديدة التي نشهد ولادتها امام اعيننا اليوم سوف تكتسب قريبا نفس قوة العقائد القديمة ،

اي القوة الطغيانية و المتسلطة التي لا تقبل اي مناقشة او اعتراض!! **ان التاثير المزدوج للماضي والتقليد المتبادل يؤديان في نهاية المطاف الى جعل كل البشر التابعين لنفس البلد ونفس الفترة متشابهين الى درجة انه حتى اولئك الذين يتوقع منهم ان يفلتوا من هذا التشابه كالفلاسفة والعلماء والادباء يبدون متشابهين في اسلوبهم ومطبوعين بطابع الفترة التي ينتمون اليها!! ** علم النفس الجماعي يفيدنا ويضيء عقولنا عندما يشرح لنا جذور تصرفاتنا العمياء والاسباب التي تدفعنا للانخراط في جمهور ما والتحمس اشد الحماس للزعيم فلا نعي ما فعلناه الا بعد ان نستفيق من الغيبوبة وربما جعلنا ذلك اكثر حيطة و حذراً في الانبطاح امام زعيم جديد قد يظهر!! ** لقد حلت السياسة محل الدين ولكنها استعارت منه نفس الخصائص النفسية .. بمعنى آخر اصبحت السياسة دينا ،وكما في الدين فقد اصبح البشر عبيدا لتصوراتهم الخاصة بالذات!! ** إن روح الفرد تخضع لتحريضات المنوم المغناطيسي او الطبيب الذي يجعل شخصا ما يغطس في النوم فان روح الجماهير تخضع لتحريضات و ايعازات احد المحركين او القادة الذي يعرف كيف يفرض ارادته عليها .. وفي مثل هذه الحالة من الارتعاد والذعر فان كل شخص منخرط في الجمهور يبتدىء بتنفيذ الاعمال الاستثنائية التي ما كان مستعدا اطلاقا لتنفيذها لو كان في حالته الفردية الواعية والمتعقلة .. فالقائد الزعيم اذ يستخدم الصور الموحية و الشعارات البهيجة بدلا من الافكار المنطقية والواقعية يستملك روح الجماهير و يسيطر عليها!! ** عندما تفقد القوى الاخلاقية التي تشكل هيكل المجتمع زمام المبادرة من يدها ..

فان الانحلال النهائي يتم عادة على يد الكثيرة اللاواعية والعنيفة التي تدعى عن حق البرابرة!! **لكي نقنع الجماهير ينبغي اولا ان نفهم العواطف الجياشة في صدورها وان نتظاهر بأننا نشاطرها اياها ثم نحاول بعدئذ ان نغيرها عن طريق اثارة بعض الصور المحرضة بواسطة الربط غير المنطقي او البدائي بين الاشياء!! ** في كل الدوائر الاجتماعية من اعلاها الى اسفلها نجد ان الانسان يقع تحت سيطرة قائد ما اذا لم يكن معزولا و نجد ان معظم الافراد خصوصا في الجماهير الشعبية لا يمتلكون خارج دائرة اختصاصهم اية فكرة واضحة و معقلنة و بالتالي فهم عاجزون عن قيادة انفسهم بانفسهم!! ** هناك أسباب عديدة تتحكم بظهور الصفات الخاصة بالجماهير وأولها هو ان الفرد المنضوي في الجمهور يكتسب بواسطة العدد المتجمع فقط شعورا عارما بالقوة , و هذا ما يتيح له الانصياع الى بعض الغرائز و لولا هذا الشعور لما انصاع , وهو ينصاع لها عن طوع واختيار لان الجمهور مُغفل بطبيعته و بالتالي فغير مسؤول . وبما ان الحس بالمسؤولية هو الذي يردع الافراد فانه يختفي في مثل هذه الحالة كليا!! **الخصائص الاساسية للفرد المنخرط في الجمهور هي : تلاشي الشخصية الواعية , هيمنة الشخصية اللاواعية , توجه الجميع ضمن نفس الخط بواسطة التحريض والعدوى للعواطف والافكار , الميل لتحويل الافكار المحرض عليها الى فعل وممارسة مباشرة , و هكذا لا يعود الفرد هو نفسه و انما يصبح انسان آلي ما عادت ارادته بقادرة على ان تقوده!! ** الجمهور يمكنه بسهولة ان يصبح جلاداً و لكن يمكنه بنفس السهولة ان يصبح ضحية وشهيداً فمن اعماقه سالت جداول الدم الغزيرة الضرورية لانتصار اي عقيدة او ايمان جديد!! **الجمهور ليس بحاجة لان يكون كثير العدد لكي تدمر امكانيته على الرؤية بشكل صحيح و لكي تحل الهلوسات محل الوقائع الحقيقية التي لا علاقة لها بها , فيكفي ان يجتمع بعض الافراد لكي يشكلوا جمهوراً وحتى لو كانوا علماء متميزين , فانهم يتحلون بكل صفات الجماهير فيما يخص الموضوعات الخارجية عن دائرة اختصاصهم , ذلك ان ملكة الملاحظة و الروح النقدية التي يمتلكها كل واحد منهم تضمحل و تتبخر!! ** ليس للاساطير اي تماسك ذاتي , فخيال الجماهير يحولها و يعدلها باستمرار بحسب الازمان , وخصوصا بحسب الاعراق و الاجناس ** إن بساطة عواطف الجماهير وتضخيمها يحميها من عذاب الشكوك و عدم اليقين . فالجماهير كالنساء تذهب مباشرة نحو التطرف , فما ان يبد خاطر ما حتى يتحول إلى يقين لا يقبل الشك!! ** بما ان الجماهير لا تعرف الا العواطف البسيطة والمتطرفة فان الاراء و الافكار والعقائد التي يحرضونها عليها تقبل من قبلها او ترفض دفعة واحدة , فاما ان تعتبرها كحقائق مطلقة او كاخطاء مطلقة!! **الجماهير التي تضرب عن العمل تفعل ذلك من اجل اطاعة الاوامر اكثر مما تفعله من اجل الحصول على زيادة الرواتب و نادرا ما تكون المصلحة الشخصية محركا قويا لدى الجماهير هذا في حين انها تشكل المحرك الكلي تقريبا لدوافع الفرد الواحد!! ** في زمن المساواة لا يعود البشر يثقون ببعضهم البعض بسبب تشابههم ولكن هذا التشابه يعطيهم ثقة لا حدود لها تقريبا في حكم الجمهور العام و رايه , و ذلك لانهم يجدون من غير الممكن الا تكون الحقيقة في جهة العدد الاكبر بما ان الجميع يمتلكون نفس العقل!! ** إن التقليص التدريجي لكل الحريات لدى بعض الشعوب يبدو انه ناتج عن شيخوختها بقدر ما هو ناتج عن النظام السياسي . نقول ذلك على الرغم من مظاهر التحلل و الاباحية التي قد توهم هذه الشعوب بامتلاك الحرية . و هذا التقليص يشكل أحد الأعراض المنذرة بمجيء مرحلة الانحطاط التي لم تستطع اي حضارة في العالم ان تنجو منها حتى الان!! نبذة عن غوستاف لوبون : ولد في (7 مايو 1841 ، وتوفي 13 ديسمبر 1931) هو طبيب ومؤرخ فرنسي، عمل في أوروبا وآسيا وشمال أفريقيا، كتب في علم الآثار وعلم الانثروبولوجيا، وعني بالحضارة الشرقية. من أشهر آثاره: حضارة العرب وحضارات الهند و”باريس 1884″ و”الحضارة المصرية” و”حضارة العرب في الأندلس” و”سر تقدم الأمم” و”روح الاجتماع” الذي كان انجازه الأول. هو أحد أشهر فلاسفة الغرب وأحد الذين امتدحوا الأمة العربية والحضارة الإسلامية. لم يسر غوستاف لوبون على نهج معظم مؤرخي أوروبا، حيث اعتقد بوجود فضلٍ للحضارة الإسلامية على العالم الغربي. وقد أسهم في الجدل الدائر حول المادة والطاقة، وألف كتابه «تطور المواد» الذي حظي بشعبية كبيرة في فرنسا. وحقق نجاحًا كبيرًا مع كتابه «سيكولوجية الجماهير»، ما منحه سمعة جيدة في الأوساط العلمية، اكتملت مع كتابه الأكثر مبيعًا «الجماهير: دراسة في العقل الجمعي»، وجعل صالونه من أشهر الصالونات الثقافية التي تقام أسبوعيًّا، لتحضره شخصيات المجتمع المرموقة مثل: «بول فالري»، و«هنري برغسون»، و«هنري بوانكاريه». 

عُرف بأنه أحد أشهر فلاسفة الغرب الذين أنصفوا الأمة العربية والحضارة الإسلامية، فلم يَسِر على نهج مؤرخي أوروبا الذين صار من تقاليدهم إنكار فضل الإسلام على العالم الغربي. لكن لوبون الذي ارتحل في العالم الإسلامي وله فيه مباحث اجتماعية، أقرَّ أن المسلمين هم مَن مدَّنوا أوروبا، فرأى أن يبعث عصر العرب الذهبي من مرقده، وأن يُبديه للعالم في صورته الحقيقية؛ فألف عام ١٨٨٤م كتاب «حضارة العرب» جامعًا لعناصر الحضارة العربية وتأثيرها في العالم، وبحث في أسباب عظمتها وانحطاطها وقدمها للعالم تقديم المدين الذي يدين بالفضل للدائن. توفي في ولاية مارنيه لاكوكيه، بفرنسا ١٩٣١م.     من مؤلفاته : حضارة العرب (1884)، روح الثورات والثورة الفرنسية.  

روح الجماعات.السنن النفسية لتطور الأمم. روح التربية.روح السياسة.فلسفة التاريخ.  اليهود في تاريخ الحضارات. حياة الحقائق. الآراء والمعتقدات.حضارات الهند.   روح الاشتراكية. رأيه في اليهود:
يقول “غوستاف لوبون” في مصنَّفه الضخم “اليهود في تاريخ الحضارات الأولى” ما نصه: “ظلَّ اليهود – حتَّى في عهد ملوكهم – بدويِّين أفّاكين، مغيرين سفَّاكين، مندفعين في الخصام الوحشي، فإذا ما بلغ الجهد منهم ركنوا إلى خيال رخيص، تائهة أبصارُهم في الفضاء، كسالى خالين من الفكر كأنعامِهم التي يحرسونها”. وفي مقام آخر يقول لوبون: “لَم يجاوز قُدماء اليهود أطوار الحضارة السُّفلى التي لا تكاد تميز من طور الوحشية، وعندما خرج هؤلاء البدويُّون الذين لا أثرَ للثقافة فيهم من بادِيَتهم ليستقرُّوا بفلسطين، وجدوا أنفُسَهم أمام أُمَمٍ قويَّة متمدينة منذ زمن طويل، فكان أمرُهم كأمر جميع العروق الدنيا التي تكون في أحوال مماثلة، فلم يقتبسوا من تلك الأمم العليا غير عيوبِها وعادتها الضارية، ودعارتها وخرافاتها”. رأيه في المرأة:
“ينظر الشرقيون إلى الأوروبيين الذين يُكرهون نساءهم على العمل كما ننظر إلى حصان أصيل يستخدمه صاحبه في جرّ عربة! فعمل المرأة عند الشرقيين هو تربية الأسرة، وأنا _ والكلام لغوستاف لوبون ـ أشاطرهم رأيهم مشاطرة تامة، فالإسلام، لا النصرانية، هو الذي رفع المرأة من الدرك الأسفل الذي كانت فيه، خلافاً للاعتقاد الشائع”. ختاما عسى ان نكون قد وفقنا في عرض وجهات نظر غوستاف لوبون وكيف ينظر الى سلوك الجمهور، وكيف يتأثر سلوك الفرد بغوغائية الجمهور..!!