18 ديسمبر، 2024 11:21 م

أرودوغان..السلطان الذي أعاد لتركيا هيبتها

أرودوغان..السلطان الذي أعاد لتركيا هيبتها

ربما يعد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان آخر سلالة من سلالة الدولة العثمانية وعهدها الذهبي الذي إمتد لأكثر من 600 عام وكان ذروة مجدها وقوتها خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر عندما إمتد سلطانها الى أرجاء واسعة من قارات العالم القديم الثلاث: أوروبا وآسيا وإفريقيا حيث خضع لها كامل آسيا الصغرى وأجزاء كبيرة من جنوب شرق أوروبا وغربي آسيا وشمالي إفريقيا.

ومن يتمعن في تاريخ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في السنوات الأخيرة يعيد بنا الى الأذهان عهود تركيا الحديثة في فترة مصطفى كمال أتاتورك مؤسس الدولة التركية الحديثة  (19 مايو 1881 – 10 نوفمبر 1938) الذي يعد أول رئيس للجمهورية التركية (1923 – 1938) وقائد الحركة التركية الوطنية والقائد العام للجيش التركي خلال حرب الاستقلال التركية كان قائدًا عسكريًا للجيش العثماني خلال الحرب العالمية الأولى.

لكن التدهور الذي شهدته تركيا كان في أيام السبعينات ومنتصف الثمانينات تقريبا منذ عهد رئيس وزرائها تورغوت أوزال وعبدالله غول اللذين توارثا على رئاسة الحكم في تركيا ووصلت أحوال هذا البلد الإقتصادية الى أدنى مستوى من الإنهيار حيث لم تشهد الليرة التركية إنهيارا متسارعا وفاحشا مثلما هوت به أقدار تركيا في مرحلة السبعينات الذي يعد العصر الأسوأ لتركيا طوال تأريخها.

حتى أن العراق في سنوات السبعينات كان له الدور الفاعل في فوز الرئيس التركي تورغوت أوزال أو عبد الله غول، حيث كان الدعم العراقي لهما في إنتخابات الرئاسات أنذاك على أوسع نطاق ، إذ كان العراق يعيش عهده الاقتصادي الذهبي منتصف السبعينات وتصاعدت ميزانية العراق الى مايقرب من 14 مليار دولار وهي أضخم موازنة في تاريخ دول المنطقة بعد السعودية في ذلك الوقت، ولهذا حاول العراق من خلال علاقاته مع الرؤساء الاتراك توطيد علاقاته مع تركيا وتقديم كل الدعم والإسناد لهم لحصولهم على الاصوات التي تؤهلهم للفوز بالرئاسة وقد تحقق للعراق مبتغاه في السبعينات مثل هذا الدعم عندما كنت الأزمة الإقتصادية تعصف بتركيا وكادت أن تذهب ريحها لولا مساندة لعراق ودعمه لحكوماتها وهو من أوقفها من سنوات الإنهيار، حتى بقيت العلاقة مع تركيا في أوجه إزدهارها.

ولا أحد ينكر أن للرئيس التركي رجب طيب أردوغان الدور الأساسي والفعال في أنه أعاد لتركيا هيبتها وهو من خلال سني حكمه يستذكر حضارة الدولة العثمانية التي إمتدت الى ما يقرب من 600 عام  وحكمت العالم لعقود طويلة من السنين (1299–1453).

رجب طيب أردوغان ولد في 26 فبراير شباط 1954 وكان لاعب كرة قدم أيام الشباب ثم تحول الى سياسي ورجل إقتصاد يشغل منصب الرئيس الثاني عشر منذ عام 2014 وقد بدأ مدة ولايته الثانية بعد انتخابات 2023.

إلا أن انتخابات 31 آذار مارس 2024 كانت بمثابة أسوأ هزيمة لأردوغان وحزب العدالة والتنمية خلال أكثر من 20 عاما في أنقرة وإسطنبول  اللذين يعدان معاقل حزب العدالة والتنمية لأردوغان وقد أعادت الإنتخابات الأخيرة تنشيط حزب الشعب الجمهوري المعارض تحت قيادة رئيسه الجديد أوزغور أوزيل وعززت مكانة رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو للمنافسة على الرئاسة في المستقبل لكن أردوغان تعهد بتصحيح أي أخطاء أدت إلى هزيمة حزب العدالة والتنمية والتي أرجعها محللون إلى إحباط الناخبين من الصعوبات الاقتصادية ولا سيما ارتفاع التضخم.

ولغرض تجاوز هذه المحنة فقد أجرى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الخميس الماضي محادثات مع الزعيم الجديد لحزب الشعب الجمهوري، حزب المعارضة الرئيسي في البلاد في أول لقاء من نوعه منذ ما يقرب من ثماني سنوات وذلك بعد شهر من تفوق الحزب المعارض على حزب أردوغان في الانتخابات العامة.

وركز الزعيم التركي المعارض أوزيل بحسب مصادر مختلفة على المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها تركيا لا سيما معاشات التقاعد الحكومية ومتوسط الأجور والسياسة الخارجية والتنسيق بين الحكومة المركزية والبلديات.

وفي إعتقادي أن أردوغان يسعى مع زعيم المعارضة لتغيير فقرة في الدستور تسمح له بتولي الحكم برئاسة تركيا لولاية أخرى وقد يقدم أردوغان مغريات كثيرة لرئيس المعارضة لإقناعه بهذا المطلب مقابل ضمانات بتوليه منصبا مهما في الحكومة المقبلة.

كما أعتقد أنه قرار أردوغان بتجميد العلاقات الإقتتصادية والتجارية مع إسرائيل محاولة لكب أصوات الناخبين من حزبه العدالة والتنمية ومن بقية الجمهور التركي المتعاطف معه  بالرغم من أن متاعبعين يعدون قرار توقف التبادل الجاري هو مجرد (دعاية إنتخابية مبكرة ) لأرودغان أكثر من كونها قرارات حقيقية..وهم يرون أن بوسع تركيا إستمرار التبادل التجاري مع إسرائيل عبر طرف ثالث ومن خلال جمهورية قبرص التركية التي هي في كل الأحوال مركز إنطلاقة التجارة بينهما منذ سنوات طوال، ولهذا فإن قرار أردوغان (دعائي) أكثر من كونه قرارا لأغراض التطبيق.

كما أن الولايات المتحدة من وجهة نظري برغم أن لديها رغبة كبيرة بإزاحة أردوغان من على سدة الحكم في تركيا لكنها في الجانب المقابل لديها مخاوف من تسلم المعارضة الحكم في هذا البلد وهي اي الولايات المتحدة ترى أنه من صالحها بقاء تركيا قوية تحت زعامة أردوغان حيث سيكون بمقدورها في ظل وجوده السياسي على رأس السلطة مواجهة المد الإيراني الروسي لتكون تركيا سدا مانعا للغرب بوجه أحلام التوسع الايرانية.. الروسية.. فاذا ماحكمت معارضة بتركيا فستضعف هذه الدولة كثيرا ولن يكون بمقدورها مواجهة هذين العملاقين وأطماعهما في القوقاز ومنطقة تأثير حلف الناتو الذي تعد تركيا أحد أطرافه الغربية المهمة وقاعدة أمريكية متقدمة بوجه طموحات روسيا للتمدد او إثارة المشاكل مع الغرب.. لكن إذا ما دعمت الولايات المتحدة أطراف المعارضة التركية وساعدتها بتسلم الحكم فإن دور الولايات المتحدة سيضمحل كثيرا في تلك المنطقة وسيكون بوسع روسيا وإيران إستغلال صعف تركيا لمهاجمة حلف الأطلسي و(الناتو) من خلال تركيا.

وفي قناعتي أيضا أن بإمكان مشروع طريق التنمية مع العراق أن يعزز ايضا  هذه الحقيقة ببقاء أردوغان لفترة أطول للمردودات التجارية والإقتصادية الواسعة التي ستنعكس على الإقتصاد التركي والتبادل التجاري بعشرات المليارات ليس مع العراق فقط بل مع دول الخليج وإيران والقارة الهندية.

وفي ختام هذا الإستعراض يمكن القول أنه ما تزال أمام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن تسنح أمامه فرصة أخرى لولاية جديدة في تركيا إن أحسن التعامل مع زعيم المعارضة التركية وقدم له من الإغراءات التي يستميله فيها لعقد إتفاق شراكة معه في السلطة وكسب ولاء بقية قادة المعارضة الذين لايمتلكون تأثيرا كبيرا في الشارع التركي عدا أوزيل الذي إكتسح أنقرة وإسطنبول في الإنتخابات الأخيرة..وعلى الأتراك عموما حتى بضمنهم المعارضة أن يدركوا حقيقة هي في غاية الخطورة على مستقبلهم من أن فقدان حكم الرئيس أردوغان  من شأنه أن ينعكس بتأثيراته الخطيرة على مستقبل بلدهم وربما يضمحل دور تركيا الإقتصادي والاقليمي وتعيد بهم الأقدار التعيسة الى سنوات السبعينات من التردي والإنهيار.