23 ديسمبر، 2024 11:05 ص

ثلاث مئة، أكتبها خطاً لا رقماً وأرفعها بوجه بطيئي الفهم من أوباش السياسة، ثلاث مئة يا ناس ثلاث مئة. لو أن هذا الرقم من الضحايا سقط في بلاد الأسكيمو أو المغول أو الغجر، لأعلنت البلاد أنها منكوبة، ولنكست الأعلام، وأعلنت الحداد، هذا على أقل التقادير. لكننا، وفي عصر مجانية الدم العراقي، يمر علينا هذا الرقم مرور الكرام، بفضل (الكرام أولاد الكرام) الذين اكتسبوا هذه الصفة، لا لجهة طيب الطباع، وإنما لجهة كثير التبذير بأرواحنا ومصائرنا لدرجة الاستهتار.
في ظل الاستراتيجية العسكرية العرجاء لجناب د. العبادي، تعرض ثلاث مئة جندي وضابط منزوع السلاح والمؤونة إلى مجزرة بكل ما تحمل الكلمة من دم، مجزرة وسط صمت القائد العام للقوات المسلحة، وضجيج باقي الساسة الذين ملؤوا الدنيا بالزعيق والنعيق وحتى النهيق، ليس حباً بنا، وإنما ركوباً لموجة الأحداث، عسى أن ترفعهم تلكم الموجة من مستنقع سيل اللعاب على
المكاسب إلى قمة الشعور العالِ بالمسؤولية الوطنية.
لا يختلف عاقلان على ما لمد جسور الحوار مع كل الأطراف من أهمية، على أن هذه الجسور لا يجب أن تتخذ من أشلاء من وضعوا أرواحهم تحت تصرف الوطن ركيزة. ففي الحروب، كما إنه من غير المعقول أن تحتكم لطاولة الحوار بالمجمل، فإنه من غير المقبول أن تحتكم لعقيدة السلاح بالمجمل، ومثلما أن على الطرف الآخر رواد سلام وتجار حرب، لا بد لك من السير بمسارين: أحدهما أبوي صرف تبذل من خلاله قصارى الجهود لاحتواء كل الأطراف، والآخر عسكري صرف، تأخذ به على عاتقك مسؤولية التصدي لكل من يحمل السلاح بوجه الدولة.
 يقول أهل الخبرة من العسكر، إن حرب العصابات لا يمكن أن تحسم لغير أصحاب الأرض، إلا إذا لجأت لإحدى سياستين: سياسة الأرض المحروقة، أو سياسة الاعتماد على السكان المحليين. ولما كان من المستحيل اعتماد الخيار الأول، يصبح لزاماً عليك ترجيح كفة الخيار الثاني. أما أن تأتي لتعلن إيقاف الضربات الجوية حتى على أوكار الإرهاب بحجة الاعتماد على الطلعات
الجوية للحلفاء، وأنت تعلم كل العلم أن بنك الأهداف الذي في جعبة حلفائك قابل للتعديل في أي لحظة، وفقاً لمعايير مصلحية بحتة، في حين تزج بالآلاف تلو الآلاف في أرض يجهلونها، فهذا إنتحار عسكري وبلا جدال.
 اتقِ الله يا حيدر العبادي! اتقوا الله معشر السياسيين بالآباء المفجوعين والأمهات الثكلى! اتقوا الله بالأرامل المنكسرات والأيتام المعطوبي الطفولة! اتقوا الله بهؤلاء الشباب الذين لم يبقى متاحاً لهم من الخيارات سوى الموت أو الموت، بينما تتنعمون أنتم وأقرباءكم من الدرجة العشرين بخيرات هذا البلد بلا حسيب ولا رقيب! اتقوا الله، هذا إن كان لله مكان في
حساباتكم!