23 ديسمبر، 2024 1:04 ص

أرقام قياسية مبللة بالدموع والدماء!

أرقام قياسية مبللة بالدموع والدماء!

هيرغ بيفر مؤسس شركة غينيس التجارية في 1951، اجتمع ذات يوم بموظفيه، فصادف أنهم تحدثوا عن مفهوم السرعة، وأراد معرفة أسرع منتج بيع في شركته، وأسرع إنجاز للعاملين فيها، وكان يريد اللقاء بأقصى سرعة، بأقصر الموظفين وأطولهم، وأكبرهم سناً وأصغرهم، فقد بحث عن التميز في كل شيء يخص عمله، ومن هنا بدأت فكرة إنشاء كتاب غينيس للأرقام القياسية، وعمم الفكرة على العالم، بكل غرائبه وعجائبه وشنائعه!
إن كنا نريد أن ندخل كتاب غينيس الشهير، بماذا نبدأ؟ أكثر البلدان التي توجد فيها المقابر الجماعية، وأعداد المهجرين والمهاجرين هرباً من القمع البعثي، وشهد تكوين أكبر جيش، خاض حرباً باطلة مجبراً عليها، والعراق أكبر بلد عربي توجد فيه أهوار، لكنها الأخرى تعرضت لأكبر إبادة، من ناحية تناقص الطيور والأسماك، وشن أبشع حملة قطع للقصب، والبردي، والنخيل، إنها مؤشرات عراقية لأرقام قياسية، يفرح بها كتاب غينيس!
أحلام العراقيين أيام الطاغية المقبور، كانت متميزة ومختصرة، لأنها أقصر الأحلام وجوداً، فالحرية والكرامة، وتخليد الشعائر الحسينية، والكف عن القمع، والقتل لمجرد إحيائها، هي أبسط ما يريده الشعب آنذاك، أما أعداد الأعلام العراقية، التي إشترط وجودها على جثامين الشهداء، في الحرب الإيرانية العراقية، وهي ترحل الى وادي السلام، كانت أرقاماً لافتة للنظر، أما أعداد المنتمين لحزب البعث المجرم، فحدث بلا حرجن فالعدد لا يضاهى، فالإنتماء إجباري!
عندما داهم الربيع حياتنا، وشعرنا بالفرح الغامر، لسقوط الصنم لم نصدق في بادئ الأمر، أن التغيير قادم، فقد تتغير قناعات ملايين المتوهمين، بعدالة الحاكم الأموي البغيض، ولأنه لا حكاية لنا إلا العراق، فقد دخلنا كتاب غينيس، بأكبر تظاهرة لزيارة الأمام الحسين (عليه السلام)، رغم أنوف الحاقدين، وأطول مأدبة إطعام للزائرين، على طول محافظات الوسط والجنوب، أما الدموع والدماء المبللة بقداسة الثورة الحسينية، فهي النصر الحقيقي للمؤمنين!
أما وإن الديمقراطية الجديدة دخلت علينا، بثوب الحداثة والحضارة، فقد فاقت أرقامنا القياسية، في تناول المشروبات الغازية، وكميات الأطعمة، وشاع الوهم الثقافي، والفراغ الأخلاقي، والإنحطاط الاجتماعي، وبرز التطرف والتكفير، عبر أجهزة الأنترنت، وشبكات الإتصال التي أسيء إستخدامها، من قبل أعداد مليونية غير مسبوقة، وعليه فكتاب غينيس للأرقام القياسية، بات في إنتشار كبير جداً، حيث بيعت أكثر من ( 243) مليون نسخة، عند طرح الطبعة الأولى منه!
يقول الروائي الروسي تشيخوف: (لم ولن يتمكن أحد من إعلان موت أي كتاب، فالأنترنت ملك معتوه) وهذا ربط يدل على أن العراقيين، دخلوا كتاب غينيس وفق المنظور الجديد، ولن يموت كتابهم المملوء بالصمود والتحدي، ضد أكبر العصابات التكفيرية إجراماً وعنفاً، لأنهم يشهدون الآن موجة من الكتابات الحرة والمعتدلة، التي تدعو الى التعايش والتسامح، لبناء عراق مزدهر، يدخل الإبتسامة للأيتام، والمعاقين، والثكالى، الذين زاد عددهم بشكل كبير!