18 ديسمبر، 2024 5:08 م

أرض الحور العين (قصة قصيرة) ..

أرض الحور العين (قصة قصيرة) ..

القصة …
أرض الحور العين (قصة قصيرة) ..

في (أمريكا) ، جلس على الأرض متكئا على حائط من القرميد البارد ، وكل كيانه يقطرُ ندما على ترك بلده العراق ، تذكّر كيف لم تسعه الأرض وهو يحصل على البطاقة الخضراء ، تصوّر نفسه محاطا بالحور العين الشقراوات ، وبفنتازيا سلاطين الف ليلة وليلة ، حيث الحرية والسماء الزرقاء ، وأرض الفرص والأحلام .

كان ينظر الى النساء الرائحات والغاديات ، كلهن يغطين (ما تيسّر) من جسدهن ببعض الثياب ، فقال مخاطبا نفسه :

أيتها الحور ، مَنْ مِنكُنّ لها أخلاص و صبرُ العراقيات ؟ على ضيق ذات يدنا ،على كبواتنا ، على أحباطنا ، على حماقاتنا بل نزواتنا ، وانتنّ تصفعْن أزواجكن لأنه اقتحم عليكن وحدتكنّ مع عشيقّ!.

وجوهكن ناصعة البياض ، ككتاب مفتوح بلا كلمات ، ووجوه نساء بلدي ، صفحات بقصائد من ماء الحنّاء ، لا تجود بها حتى قريحة (المتنبّي) .

لعيونكن جرأة تصل لحد الوقاحة ، وعيون نساء بلدي منكسرةٌ حياءً فتهرب اليها كل الأسرار ،

انتُنّ جميلات رشيقات الى درجة النحافة لكن مُستَهلَكات بلا رونق ، لقد اقتُطفت نضارتكن منذ زمن بعيد .

هنا ، الجمال متوفر ، فهو رخيص ، هذا ما نصّت عليه قاعدة (العرض الطلب) ، انتن جميلات كالنمرة التي تقبع خلف جمالها وحشية وبراثن ، وتصورتُ ان نساء بلدي قد بَخِلن بجمالهن فأخفينه تحت الحجاب والأحتشام طوعا او كرها ، ولم أدرِ ، أن هذا البخل هو منتهى الكرم ، لقد جعلنه نادرا كالاحجار الكريمة ، فما قيمة الماس اذا ملأ شواطيء الدنيا كالرمال ؟.

أحسّ بنسمة برد ، فأشتاق الى لهيب ﺁب بغداد ، الى دفء جسد أمه وهي تحنو عليه ، برائحتها التي تشبه رائحة الخبز في تنّور الطين ، بل انتبه الى نفسه وهو يهيم بأستنشاق شيءٍ من الغبار ! ، برائحة الشاي (المُهَيّل) ، برائحة القصب وحتى المحترق منه في البراري.

وجد نفسه ملتصقا بالحائط ، فتذكر مقطوعة (مظفر النواب ) وهو يقول :

أحتكّ بكل الجدرانِ

كأن الغربة يا قاتِلتي

جَرَبٌ في جلدي …

تلمّس الحائط القرميدي البارد والرطب : فقال: أشتري بعمري لمسة لشبّاك (عليّ) ، تبعث فيّ الدفء ، وتدفع عني اليأس والحيرة ، أو نظرة لمنحوتةٍ لجواد سليم ، ﺁه لو اسمع اذان مدينتي المحتدم ، فسالت دمعة على خده ، وهو ينوء بدثارٍ تقيل من حزن وردي ، كغيوم مساء بغداد ، وكأن في حلقه كتلة مُرّة بحجم قبضة اليد ، تورّمت اوداجه الما ، فأما أن يختنق ، أو ينفجر بكاءً ، فانفجر كالطفل ، بكاءً صاخبا كان قد نسيه منذ زمن بعيد ، فحلّ الظلام ، ولسعه البرد ، فتقوقع حول نفسه ، كوضعية الجنين ..