22 نوفمبر، 2024 7:04 م
Search
Close this search box.

أربعة عقود وذكراها خالدة

أربعة عقود وذكراها خالدة

في تشرين الثاني عام ١٩٨٠ . دشن العراق عاماً دراسياً جديداً ، كان ضمن المعتاد والمألوف للطلبة أن يكون البدء الدراسي في شهر أيلول من كل سنة كعام دراسي جديد ، لكن صفارة الحرب العراقية الإيرانية غيرت هذا الشهر واليوم . عندما أتقد لهيبها بين الجارتين اللدودتين في يومها الفعلي ٢٢ ايلول ١٩٨٠ . ذهبت في اليوم الأول الى كلية الأداب جامعة بغداد رغم أجواء الحرب وصفارات الأنذار في سماء بغداد حيث يحلق الطيران الإيراني على مستوى منخفض في سماء بغداد مما سهل لمواقع مضادات الطيران في إسقاطها بسهولة . كان اليوم الأول لقاء تعارف بين الطلبة الجدد في قاعة الأدريسي وقت رحب من الألفة والتعارف والدهشة .

في اليوم الثاني في قاعة المحاضرات دخلت علينا والإبتسامه تعلو على وجهها الصبوح مما زالت زوايا الارباك في دهشتنا الأولى خليط من الطلبة والطالبات من مدن العراق المنتشرة . إنها الاستاذة ناشئة بهجت في اللغة الروسية وأدابها قدمت نفسها لنا ، كانت بهيئة واثقة من كلامها وهندامها ترتدي تنورة رصاصية وبلوزة بيضاء وسترة خفيفة كحلية ” نيلية ” وبتسريحة شعر أسود يتدلى على كتفيها وهذا اللون من الملبس هو الزي الجامعي للطلبة في الكلية ، ربما أرادت في اليوم الأول وفي أشارة واضحة أن تكون مثلنا وبيننا بعيداً عن التكلف والتصنع . طيلة السنتين التي ألقت علينا دروسها قبل غيابها النهائي بترك العراق مع زوجها الاستاذ والاعلامي حسن العيدي وأولادها الى عاصمة الضباب لندن عام ١٩٨٢ وما زالوا هناك يعيشون ويتنفسون بهواء العراق النقي . كانت الاستاذة ناشئة بتلقائيتها وإبتسامتها المعهودة والمألوفة والتي تدعو الى الاطمئنان دخلت قلوبنا بدون رخصة ، وعندما غابت عن محاضراتنا ، كنا نهمس بحب وتطلع وخوف على مصيرها في عراق كان أوضاعه السياسية مضطربة ، وفي اليوم التي تسربت لنا الأخبار بصمت إنها خارج حدود الوطن مع عائلتها شعرنا بالاطمئنان .

هذا ما حدث عام ١٩٨٢ وكأنه شريط سينمائي طويل من المحطات والذكريات والمواقف بقيت عالقة في الروح لحين أن حانت اللحظة بأول تواصل قبل خمسة سنوات عبر صديقنا المشترك الفيسبوك .

كان سؤالي الأول لها ؟.. هل أنت الاستاذة ناشئة بهجت إستاذة الأدب الروسي في كلية الأداب جامعة بغداد ؟. نعم ، ولكن أنت منو ؟. أنا محمد حسن من أهالي قرية الهويدر أحد تلاميذك في الدورة عام ١٩٨٠. وبدأنا نتبادل ببعض الوقائع وتفاصيل عن القسم ووجوه الطلبة والاساتذة ضياء نافع والمرحوم جليل كمال الذين والمرحومة حياة شرارة والمرحوم محمد يونس الساعدي أعمدة قسمنا وأساتذته الكبار .

ومن تلك اللحظة أمتدت علاقتنا عبر وسائل التواصل الاجتماعي وأثير صوت الهاتف ، في المرة الأولى التي تحدثنا بها عبر أثير الهاتف صدى صوتها أعادني الى أربعة عقود مضت الى أروقة ذلك القسم والذكريات ، إنه صوت ما زال يحتفظ ببريق الألفة والمحبة ، إنها ناشئة بهجت الكوتاني وضمن الغير متوقع في هذا الحديث ، طرق سمعي إنها أبنة أخت المناضل وشهيد الحركة الشيوعيىة العراقية ” القيادة المركزية ” متي هندو ورفيقه أحمد الحلاق واللذان قتلا تحت التعذيب على يد جلاوزة رجال البعث عام ١٩٦٩ في مبنى قصر النهاية المرعب .

وأمتداداً لذلك الماضي وأعتزازاً به والحنين له ما زلنا نتواصل بأستمرار وأتلقى ملاحظاتها حول كتاباتي وتشييد بدوري في النشر والاصدارات ، وهذه وحدها بالنسبة لي وسام شرف من أستاذة كبيرة علمتني الحروف الأولى حول نوابغ الأدب الروسي . وفي حرص شديد مني بالاطلاع على كتبي ومؤلفاتي تصلها بأنتظام وأتلقى برحابة ملاحظاتها القيمة وأحتفظ بها في طبعات قادمة .

تلك الكلمات والجمل لاتفي الغرض عن مسيرة إنسانة وإستاذة الادب الروسي ناشئة الكوتاني ، لكن تقديراً مني عن ما تركته من أرث في نفوسنا نحن طلبتها ولأهمية دورها العلمي والأكاديمي في سيرتها الطويلة .

متمنياً لها وللإستاذ حسن العيدي دوام الصحة والعافية .

 

أحدث المقالات