من المؤمل أن يناقش مجلس الوزراء في جلسته الأسبوعية الاعتيادية التي تنعقد اليوم ( الثلاثاء ) , مقترح وزارة التعليم العالي والبحث العلمي المتعلق باستحداث أربعة جامعات تقنية , واحدة في بغداد والثانية في الفرات الأوسط وثالثة في الجنوب ورابعة في الشمال , وهذا المقترح تبنته هيئة التعليم التقني منذ أكثر من عام وخضع للعديد من الدراسات والمناقشات التي شارك فيها مجموعة كبيرة من المختصين والمهتمين , والهدف من استحداث هذه الجامعات هو إعادة هيكلة التعليم التقني لتخليصه من العيوب البيروقراطية وغير البيروقراطية وتوفير سبل التطور بما يجعل هذا النمط من التعليم مواكبا لآخر المستجدات السائدة عالميا , وقد كانت الانطلاقة الأولى للمقترح من قبل الدكتور عبد الكاظم الياسري رئيس هيئة التعليم التقني .
وبموجب قانون التعديل الثامن لقانون وزارة التعليم العالي والبحث العلمي رقم 40 لسنة 1988 المنشور في جريدة الوقائع العراقية بعددها 4308 في 3 شباط 2014 , فان لمجلس الوزراء صلاحية استحداث جامعة أو هيئة بناءا على اقتراح من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي , بعد أن كانت هذه الصلاحية محصورة بمجلس قيادة الثورة ( المنحل ) الذي انتقلت سلطته التنفيذية إلى مجلس الوزراء وسلطته التشريعية إلى مجلس النواب , باعتبار إن المجلس المنحل كان يجمع بين السلطتين التشريعية والتنفيذية والدستور العرقي الجديد أكد على مبدأ الفصل بين السلطات , مما يعني بان مجلس الوزراء بات يمتلك الصلاحية لاستحداث الجامعات دون الرجوع لمجلس النواب .
إن استحداث الجامعات التقنية له العديد من الفوائد تنعكس ايجابيا على جميع أطراف العملية التعليمية والتربوية وتصب في النهاية لمصلحة التقدم العلمي للبلد , فمن الناحية الاعتبارية فان الطالب الذي يدرس في الكليات والمعاهد التقنية سيكون خريجا جامعيا بحق لأنه سينتسب إلى إحدى الجامعات التقنية الأربعة , وينعكس ذلك أيضا على مكانة الأستاذ الجامعي مهنيا واجتماعيا , حيث سيسهل ذلك اتصاله وعلاقاته في المحافل العلمية العالمية عندما يشارك في مؤتمرات أو بحوث أو ندوات أو أية فعاليات أخرى , وسيكون لهذا الاستحداث دوره في تحديث المناهج وجعلها متوافقة مع مثيلاتها من الجامعات العالمية وبإجراءات ميسرة وموضوعية , كما إن ذلك سيؤثر في تطور الجامعات واستقلاليتها الإدارية والمالية والعلمية وتواجدها المؤثر في محيطها الجغرافي .
وان الهدف الأساسي من استحداث الجامعات التقنية , هو الإبقاء على هوية التعليم التقني وتطويره وتنمية القدرات التقنية والتي من شأنها النهوض بواقع تعليمي تقني متقدم ينافس الموجود على مستوى العالم , وبما يتيح مواكبة النهوض والتطور الحاصل نتيجة البناء الذاتي للفرد والعمل لتوفير جميع ما يحتاجه الطالب والتدريسي والمدرب من مؤسسة تعليمية , تكون قادرة لتقديم اﻻحتياجات اللازمة من المصادر العلمية والورش والمختبرات وخدمات البنى التحتية والموقع الجغرافي القريب لتخفيف المعاناة الوصول بيسر إلى المؤسسة التعليمية , فإنشاء هذه الجامعات سيجعلها قريبة على سكن الطلاب ( مثلا ) وعدم احتياجهم إلى الأقسام الداخلية التي تثقل كاهلهم وصرفهم ﻻجور النقل وقطع المسافات الطويلة , وان ذلك من شانه عدم إرهاق طاقتهم البدنية والتركيز على فاعلية الأداء .
ويمكن لهذه الجامعات تبني موضوع حاضنات الأعمال التي ستكون الانطلاقة الحقيقة لانطلاق المشروعات الصغيرة والمتوسطة بما يفضي إلى القضاء على جزء مهم من ظاهرة البطالة بين صفوف الخريجين , للحصول ليس على الوظائف الحكومية فحسب وإنما لإشغال مساحات حقيقية في أسواق العمل , فنمط التعليم التقني هو الأقرب إلى احتياجات أسواق العمل لأنه يقترن بالجوانب التطبيقية والعملية ويركز على تنمية المهارات وتشجيع المبادرات والإبداعات , ويمتلك تعليمنا التقني تجربة واسعة تحظى باهتمام إقليمي ودولي لما حققه من نجاحات , ولكنه بحاجة إلى إعادة الهيكلة لكي يتحرر من بعض القيود بما يجعله بمستوى التعليم التقني العالمي الذي غالبا مايكون المفتاح للعديد من المشكلات .
وسيكون البناء العلمي والعملي على مستو عال من الحداثة , والتي ستكون مختلفة ومتميزة عن سواها من الجامعات العراقية اﻻكاديمية , وفي المؤتمر الثالث لعمداء كليات ومعاهد هيئة التعليم التقني المنعقد نهاية 2013 الذي شارك بأعماله رئيس الهيئة ومساعديه وعمداء الكليات والمعاهد التقنية البالغ عددها 46 ومدراء الأقسام في ديوان الهيئة ونخبة من المتخصصين , تم وضع السياقات والخطوات العملية للانتقال إلى الجامعات التقنية بعد تحديد جميع الآثار المترتبة عن هذا التحول الايجابي , وقد بذلت جهود كبيرة أثناء الدوام الرسمي وبعده لتكون ولادة الجامعات التقنية بشكلها الطبيعي والمطلوب وبدون عمليات قيصرية وبما يضمن بلوغ كامل الأهداف , بما في ذلك الحفاظ على هوية التعليم التقني لكي يزداد تألقا لخدمة عراقنا الحبيب.
وكنا نتوقع أن يرى هذا المشروع الريادي النور قبل الانتخابات , لأنه لايحتاج سوى موافقة مجلس الوزراء بعد نفاذ التعديل الثامن لقانون وزارة التعليم العالي والبحث العلمي , ولكنه ربما تم تأجيله لكي لايحسب ضمن الدعايات الانتخابية أو بسبب جدول أعمال مجلس الوزراء والأسبقيات , ونتمنى أن يحظى بموافقة وقبول المجلس في جلسة اليوم , فالمشروع جدير بالاهتمام والتطبيق وقد بذلت جهودا كبيرة لإخراجه إلى حيز الوجود , والحق يقال انه من المشاريع التي يحق الفخر بها في هذه المرحلة المهمة من مسيرة بلدنا العزيز , فالمشروع خضع لكل الاختبارات وتم الأخذ بنظر الاعتبار النتائج المحتملة وهو مزود بخرائط تفصيلية عن توزيع الموارد البشرية والمادية , ومن المفرح انه بصناعة عراقية 100% إذ تمت الاستعانة بالخبرات المحلية التي أثبتت قدرتها على إنتاج الإبداع .