الخشب مادة أولية يمكن صناعة ما تريده منها عندما تتوفر المهارة والأدوات والآلات اللازمة لذلك , والأدمغة البشرية مواد أولية يمكن تصنيعها وفقا لمشيئة القادرين على صبها في قوالب مصالحهم ومسارت أهدافهم.
والخشب يمكن صب النفط عليه وإحراقه بسهولة فيتحول إلى رماد , وكذلك الأدمغة يمكن إعطابها وتفحيمها وتحويلها إلى رماد تذروه رياح الرغبات والنكبات , ويقوم بهذا الدور على أفضل وجه ذوي العمائم القادرين على تعطيل عقول البشر وأخذهم إلى ميادين القطيع , المرهونة بالخنوع والخضوع والرتوع والركوع , وعدم القدرة على إبداء الرأي أو السؤال , والعمل بموجب قوانين السمع والطاعة.
ووفقا لمقتضيات نفذ ولا تناقش , تتحول الأدمغة إلى خشب محشو في جمجمة , لا ينفع بل يضر كثيرا ويدمر الموجودات من حوله.
ويبدو أن الأحزاب تُخشّب الأدمغة , بل أن كل حالة يكون فيها البشر مرهونا برمز , ويمضي ضمن كيانات محكومة بضوابط فردية مستبدة وقاهرة لإرادته , يكون من ذوي الأدمغة المتخشبة.
وما أكثر الجماجم القابضة على خشب , وما أوهن إرادات أصحابها , وأبخس قيمتهم ودورهم في الحياة , لأنهم من الأرقام الموضوعة على يسار الرقم الذي يقبض على وجودهم , ويفتك بمصيرهم.
والغريب في أمر السلوك البشري أن الناس تميل إلى التخشب وتستلطف أن تكون أحطابا , وكأنها تتلذذ بالإتقاد والإحتراق والتحول إلى رماد , وهذا يتصل بنزعات الإحتراق بعد الموت , وفي العديد من المجتمعات يتم حرق الأموات وتحويلهم إلى رماد , وكأنهم في لاوعيهم قد عبّروا عن إرادة الخشب التي فيهم.
فالخشب دماغ , وقلب , ونفس وروح , وما يتصل بالحياة من نشاطات يمكنها أن تتحول إلى خشب , متأهب للإحتراق ومتشوّق للرماد.
والنزعة التخشبية مدمرة للأوطان والكيان والوجود الإنساني , لأنها تجعل من البشر كالجذوع الخاوية في الغابات المتسامقة الأشجار , وكلما تزايد أعدادها أصبحت الغابة سهلة الإحتراق , وبهذا فالبشر المتخشب يكون من أسهل الضحايا , وأقربها إلى التأجج والإلتهاب وإصابة ما حوله بالدمار والخراب.
فهل من قدرة على وعي سلوك الخشب؟!!