في تفسير الآية ( الحمد لله رب العالمين)(سورة الفاتحة الآية:١)، ورد في تفسير الميزان بمعنى الآية : اي قولوا الحمد لله(تفسير الميزان ج١، تفسير فاتحة الكتاب)،
وهناك أدب في الخطاب مع الله(عزّ وجلّ) في نفس السورة، وهو في المقطع(إيّاك نَعْبُدُ وإِيَّاك نستعين)،و (إهدنا الصراط المستقيم) الى اخر السورة. فهو أدب يرسمه الله لنا في كيفية مخاطبته، ففي السورة بدأ بالثناء والمدح والحمد لله، وذكر بعض صفاته( الرحمن الرحيم)، وذكر بعض سلطانه وهيمنته وبعض ملكه(مالك يومِّ الدِّين).
بعد تلك المقدمة، جاء موضع الطلب والدعاء المباشر من العبد الى مولاه، وهو في النص الآتي:( إهدنا الصراط المستقيم……) السورة.وذلك الإدب هو ذاته قد علّمنا إيّاه أئمتُنا (عليهم السلام)في كيفية الخطاب والحوار مع النبي وأهل بيته(صلوات ربي وسلامه عليهم أجمعين)، ولكن الأمر قد يختلف ببعض الشيء بين خطاب العبد الى خالقه، وخطاب العبد بينه وبين نبيِّهِ وأهل بيته. في مقام الزيارة لأحدهم (عليهم السلام)، نُورِد بعض ما ورد بذلك، خصوصاً اثناء زيارتهم( عليهم السلام).
والبداية دائما تأتي بكلمة : السلام عليك يا رسول الله، ثم تكون تكملة بقية الزيارة والسلام،
واذا نظرنا الى خطاب الزيارة الواردة عن المعصوم لزيارة ابي عبد الله الحسين، فإننا سنجده من أروع الأساليب في الخطاب، يالَهُ مِنْ خِطاب، أتوجّه به الى المولى(ابي عبد الله)، ويالَهُ من تعبير، سادتي يا آل بيت محمد(ص)، فلولاكم ولولا خطابكم لما عرفنا كيف نتأدب بالكلام مع مولانا الحسين بن علي( عليه السلام)، فكلامكم هو الذي يوّجهنا في كيفية خطابنا مع المولى الشهيد.فلننظر الى النص التالي، وهو مشهد ومقطع من كلام الامام الصادق المعصوم، ضمن زيارته يوم عاشوراء، ولنلتفت الى مضامين تلك النصوص في كيفية مخاطبة الامام الحسين عند زيارته، ونحن نعلم يقيناً بأنّ الامام الحسين هو شهيدٌ وهو حيٌّ يُرزق، يسمع الكلام، ويردّ السلام، وعندما نخاطبه فإننا نخاطب إنساناً يعلم بجميع ما يدور بهواجسنا وأفكارنا، وأقول له : (اَلسَّلامُ عليكَ يا أبا عبد الله) أُحَيّيه بكنيته، بأبي عبد الله .
(السلام عليك يابن رسول الله) إشارة الى اعظم نسب يحمله بنو أدم، انتسابه الى افضل الخلق، وهو رسول الله.( السلام عليك يابن امير المؤمنين) إشارة الى أبيه، وهو سيد الخلق بعد رسول الله(ص).
( السلام عليك يابن فاطمة سيدة نساء العالمين) خير شرف في نسبة الأُم ، وهي سيدة النساء.
( السلام عليك يا ثأر الله وابن ثأره)، وكلمة ( ثأر الله) كما ذكره اهل اللغة بأنه : إدراك القاتل حتى الأخذ بدم المقتول ، وبمعنى انه(عليه السلام) ثأر لله عز وجل، ولنصرة دينه، ولنصرة الحق، وأراد ان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، كما سار على ذلك النهج أبوه (أمير المؤمنين ع)ولذلك فأن وليَّ الدم يكون هو الله عز وجل، وسوف يُوجد من يطلب بثأر تلك الدماء التي سالت على طريق الحق ، وفيها إشارة الى الامام المهدي المنتظر، والذي سيتحقق من خلاله الأخذ بجميع الثارات والدماء التي سفكت وهي دماء أزكى الطاهرين، محمد وآل محمد( صلوات ربي وسلامه عليهم اجمعين).
ثم نقول : يَا أبَا عَبْدِ اللهِ ، إنِّي أتَقَرَّبُ إلى اللهِ، وَإلَى رَسُولِهِ ، وَإلى أمِيرِ المُؤْمِنينَ ، وَإلَى فاطِمَةَ ، وإلى الحَسَنِ وَإلَيْكَ بِمُوالاتِكَ، ومُوالاةِ أَوليائِك وَبِالْبَرَاءَةِ مِمَّنْ قَاتَلَكَ وَنَصبَ لَكَ الحَربَ ، وبالْبَرَاءةِ مِمَّنْ أسَّسَ أساسَ الظُّلْمِ وَالجَوْرِ عَلَيْكُمْ ، وَعلى أشياعِكُم وَأبْرَأُ إلى اللهِ وَإلى رَسُولِهِ وَبِالبراءِةِ مِمَّنْ أسَّسَ أساسَ ذلِكَ ، وَبَنى عَلَيْهِ بُنْيانَهُ ، وَجَرَى في ظُلْمِهِ وَجَوْرِهِ عَلَيْكُمْ وَعَلَى أشْياعِكُمْ ، بَرِئْتُ إلى اللهِ وَإلَيْكُمْ مِنْهُمْ ، وَأتَقَرَّبُّ إلى اللهِ وَإلى رَسولِهِ ثُمَّ إلَيْكُمْ بِمُوالاتِكُم وَمُوالاةِ وَلِيِّكُمْ ، وَبِالْبَرَاءَةِ مِنْ أعْدائِكُمْ ،وَالنَّاصِبِينَ لَكُم الحَرْبَ ، وَبِالبَرَاءَةِ مِنْ أشْياعِهِمْ وَأتْباعِهِمْ ، يا أبا عَبدِ الله إنِّي سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ ، وَحَرْبٌ لِمَنْ حارَبَكُمْ ، وَوَلِيٌّ لِمَنْ والاكُمْ ، وَعَدُوٌّ لِمَنْ عاداكُمْ ، فَأسْألُ اللهَ الّذِي أكْرَمَني بِمَعْرِفَتِكُمْ ، وَمَعْرِفَةِ أوْلِيائِكُمْ ، وَرَزَقَني البَراءَةَ مِنْ أعْدائِكُمْ ، أنْ يَجْعَلَني مَعَكُمْ في الدُّنْيا وَالآخِرَةِ ، وَأنْ يُثَبِّتَ لي عِنْدَكُمْ قَدَمَ صِدْق في الدُّنْيا وَالآخِرَةِ ، وَأسْألُهُ أنْ يُبَلِّغَنِي الْمقامَ الْمَحْمُودَ لَكُمْ عِنْدَ اللهِ ، وَأنْ يَرْزُقَنِي طَلَبَ ثَارِي مَعَ إمَام مَهْدِيٍّ ظَاهِر نَاطِق بالحقِّ مِنْكُمْ ، وَأسْألُ اللهَ بِحَقِّكُمْ وَبِالشَّأنِ الَّذِي لَكُمْ عِنْدَهُ أنْ يُعْطِيَنِي بِمُصابِي بِكُمْ أفْضَلَ ما يُعْطِي مصاباً بِمُصِيبَتِهِ… يالَهُ من أدب، ويالَها من معاني…
اللهم ارزقنيها قولاً وفعلاً وعقيدةً في الدنيا والآخرة . ثم يتوجَّه المعصوم بتعليمنا بكيفية التحدث مع الامام الشهيد من خلال زيارته، المعروفة، بزيارة عاشوراء، ونلاحظ من خلال نصوصها والتي تعطي مدلولات على ان مصاديقها في كل زمان ومكان، ولاسيّما الأمة التي أسست لقتل الإمام الحسين( عليه السلام). ثم يكون الخطاب بالإعتراف بشرف الإنتساب الى المولى الشهيد، وذلك من خلال الكرامة التي وهبها الله لنا بواسطة موالاتنا للإمام الشهيد، فقد ذكر في الزيارة الآتي : فَأسْالُ اللهَ الّذِي أكْرَمَ مَقامَكَ ، وَأكْرَمَنِي بِكَ ، أنْ يَرْزُقَني طَلَبَ ثارِكَ مَعَ إمام مَنْصُور مِنْ أهْلِ بَيْتِ مُحَمَّد صَلّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ).اللهمّ اجْعَلْني عِنْدَكَ وَجِيهاً بِالحُسَيْنِ عَلَيهِ السَّلام فِي الدُّنْيا وَالآخِرَةِ.
وقال : (أسأل الله الذي اكرم مقامك)، فإن مقام الامام الحسين كان مكرّماً من الحضرة الإلهية وعنايتها ومحبتها، ومن خلال تلك الكرامة التي وهبها المولى لإمامنا، فإنّ الكرامة التي تجلّت لأشياع الإمام الحسين، إنما جائت لهم من خلال التصاقهم بإمامهم، وركوبهم بسفينته التي أنقذهم الله من الأهوال والمخاطر التي تؤدي بالانسان الى سوء العاقبة.
السلام على الحسين وعلى عليِ بن الحسين وعلى اولاد الحسين وعلى اصحاب الحسين ولا جعله الله آخر العهد منّي لزيارتكم