18 ديسمبر، 2024 11:23 م

أمس بجوار مرقد رائد العدل والإنسانية،التقيت طالب علوم دينية،جذبني إليه لون بشرته السمراء المشرئبة بحمرة الإيمان،تبادلنا لغة العيون،أعقبتها ابتسامة غريب أطمعتني بتبادل الحديث معه علني أقدم له خدمة.

تحدث بلسان عربياً فصيح اسمه (محمد) وهو من (غينيا)،يدرس العلوم الدينية في “مدرسة النجف الأشرف”.

سألته هل يوجد “مسلمين شيعة” في غينيا وكم عددهم؟

قال: نعم نصف مليون من أتباع أهل البيت في غينيا،رغم حداثة انتشار مدرسة أهل البيت في غينيا،فقد عُرف عندنا قبل (25 )سنة.

هل تتعرضون لضغوط من الحكومة؟

قال: أتباع المدرسة الوهابية كتبوا للرئيس (أن الشيعة غير مسلمين،ويجب محاربتهم!،سألهم الرئيس: لماذا تتهمونهم غير مسلمين؟.قالوا :لأنهم يقولون بإمامة علي ابن أبي طالب.قال لهم:انتم كذلك قولوا بإمامة من تشاؤون).

أكمل صديقي أن “المملكة العربية السعودية” أعطت الرئيس الغيني مبالغ مالية ووعدته،بإصلاحات اقتصادية مقابل محاربة المد الشيعي!.

قلت له :وماذا فعل الرئيس؟

قال بابتسامه رائعة: (اخذ الفلوس للبلد ،وقال لهم كل واحد يختار أمامه على راحته،إنا مسؤول عن امن أهل البلد ).

قلت له:) الرئيس مسلم ).

قال:( مسلم…أظن على المذهب المالكي).

أعجبتني كثيراً حسن أدارة الرئيس الغيني،لأزمة تعد من اخطر الأزمات التي تهدد الأنظمة السياسية في حال تمددها وهي(الفناء الذاتي).

لقد نجح الرئيس في الحفاظ على أبناء شعبه من الأجندات الخارجية التي تبحث عن ساحات صراع خارجية،تعالج عبرها مشاكلها الداخلية،وأحرج “النظام السعودي”،والجم لسانه بالمطالبة بالمبالغ المالية التي دفعها،لان المطالبة تعني كشف “عورة النوايا السعودية” بمساعدة غينيا كبلد مسلم فقير.

ولم تأخذ الرئيس العزة بالكرامة،ورفض الأموال السعودية،فمهمة القادة البحث عن مصالح شعوبهم.

بقيت بقرب صديقي جسد، وسرحت بالمقارنة،بين سوء حظنا كشعب عراقي،يفتقد وجود قادة يستطيعون (أدارة الإرادات الخارجية)،وتحويلها إلى عناصر قوة.

وتساءلت كيف لبلد مثل غينيا صغير يقع في زاوية الفقر،بأقصى “قارة أفريقيا”، يعيش شح الموارد البشرية والمادية،يتعامل بكبرياء وتوازن وبحكمة؟!.

ولماذا لا نحول صراع الإرادات الخارجية،إلى رزق و فرص لسعادة العراقيين جميعاً،سيما وان تلك الإرادات تمثل دول عظمى مثل (الولايات المتحدة الأمريكية)،ودول إقليمية وعربية مثل (إيران ـ تركيا ـ والسعودية وغيرها).

ترى أين المشكلة؟

هل هي بشكل النظام السياسي؟

أم “بسايكلوجيا” الإنسان العراقي،الذي ولد مهدد من الطبيعة ومن الجيران،فعاش فقدان الهوية؟!.

اعتقد ليس ذلك،لان النظام الحالي هو من بين أفضل الأنظمة في المنطقة،فيما لم يعد الإنسان العراقي مهدد من الطبيعة ففيضان “دجلة” عاد من أساطير الأولين،وارض الرافدين شهدت طمر “داعش” بعدما “تغول”،وأدرك العالم أن ليس هناك شعب يستطيع مواجهته سوى من وصفهم رب العالمين بـ (رجال أولي بأس شديد) فأوهمهم بغزو العراق،فكانت مقبرتهم الجماعية.

أذن ما نحتاجه هو أعطاء التأريخ “شاغر”،لعقدين من الزمان،بدءاً من “حمورابي”،حتى حكم “البعث”،ونعيش المواطنة العراقية الخالصة كل على ما ولد يعبر عن معتقده وحريته دون مساس بعضنا،وبلا “حديث الأفضلية”،عدا ذلك فتحزموا لـ “معارك المصير”.

لنعيش اطمئنان “محمد الغيني”،فقد كنت غريباً خائفاً بجواره،سوى من جوار “علي”!.