تعريف اللحظة الحرجة هي : مفترق الطرق وحافة الهاوية ، وطبيا يكون فيها المريض بين الحياة والموت ، ويبدو ان العراق قد قطع هذه الفترة الحرجة وتقدم نحو موته الجماعي بإرادته ، وهي حالة نادرة بتاريخ الشعوب ان يجتمع معظم أفراد الشعب على تدمير أنفسهم ، ويرفضون طريق العقل والحكمة والسعي لتحقيق مصالح وطنهم ، في زمن نظام صدام حسين كنا نفكر ونحلم بالحلول البديلة وهي تغيير النظام وتطبيق الديمقراطية وبناء بلدنا بشكل متطور .
أين ضوء الأمل في ظلمات أوضاع العراق الحالكة ، أين هم رجال الدولة الشرفاء الذين يتقدمون الصفوف لإنقاذ وطنهم ، أين القوى الجماهيرية الواعية التي يُطمئن إليها في دعم المشاريع الوطنية ، ماهو الحل والبديل للكوارث التي حلت على العراق بعد إنقشاع أوهام وجود ساسة وطنيين شرفاء ، وفشل الديمقراطية وعدم صلاحيتها لنا ، وكذلك خيبة الأمل في غالبية أبناء الشعب الذين يتعاملون بلامبالاة وعدم شعور بالمسؤولية نحو محنة العراق ، زائدا الخونة من أبناء الشعب ، علينا التذكر ان اللصوص والمجرمين والعملاء والميليشيات والقاعدة وداعش هم من أبناء الشعب العراقي الذي أنجبهم وهذا إنهيار في جدار الحصانة الوطنية لايكفي معالجته أمنيا ، بل الشعوب المحترمة تعالجه ابتداءً من العائلة و التعليم الى الثقافة العامة ، فمن أين ناتي بالعقول النيرة والإرادات الشريفة للقيام بإصلاح شامل للمجتمع؟
الشعب منقسم طائفيا ومناطقيا ، وكردستان بحكم المنفصل ، والثقة مفقودة بين الساسة أنفسهم ، وبين الشعب والساسة ، والأخطر من هذا العراق خسر ثقة المجتمع الدولي وأصبح من الدول المصدر للإرهاب والمخدرات وممارسة غسيل الأموال وكافة الجرائم المافيوية على وجه الأرض !
إذا اقتنعنا بفشل الديمقراطية يفترض ان يكون البديل نظام دكتاتوري صارم على غرار مصر والإنقلاب الناجح والضروري للجنرال السيسي ، والسؤال : من أين نأتي بضابط يتمتع بكاريزما وسطوة على أجهزة الدولة العسكرية والأمنية ، وشخصيته مقنعة للفرقاء الشيعة والسنة ؟.. للأسف الجواب لايوجد هكذا ضابط .
آخر الحلول الباقية هو التدخل الدولي وبالخصوص تدخل أميركي لتغيير النظام ، وهذا أمر مستبعد بعد التجربة الفاشلة لأميركا مع العراقيين وما لمسته منهم من فشلهم في إدارة شؤونهم ، وغدرهم بها ونكران جميلها عليهم ، ثم لماذا تتورط أميركا من أجل شعب لا يساعد نفسه ولايريد بناء بلده ، شعب كان يدعي المعاناة من الدكتاتورية ويريد الحرية والديمقراطية ، فإذا به يزور نتائج الإنتخابات ويدمر الديمقراطية ، ويخرج من صفوفه اللصوص والميليشيات الإرهابية ، ويخضع لعبودية رجل الدين وشيخ العشيرة وزعيم الحزب .. بدل إنتاج تنظيمات وتجمعات مدنية ديمقراطية حقيقية !
مؤسف جدا بعد ان حل الموت بالدولة العراقية وعدم وجود معجزات تحيي الموتى ، ليس أمامنا سوى إقامة المآتم والحزن والبكاء على وطن أضعناه بأيدينا !