كنت أظن والى وقت قريب جدا ،بأن” المشاريع المتضادة ” وحدها التي تتخاصم فيما بينها وتتقاطع وتدخل في صراع مرير عادة ما ينتهي بإبتلاع أقواهما للأضعف كثقب أسود ليغيبه عن الوجود كليا فيما يزداد الأقوى قوة الى قوته ويتحول الى وحش يخشاه الجميع ، حتى دارت الأيام دورتها لأكتشف، بأن “المشاريع المتفقة على هدف واحد” بصرف النظر عن صحة هدفها من عدمه ، وبدلا من الإتحاد فيما بينها ورص صفوفها لمواجهة عدوها وزيادة قوتها فإنها تتصادم صداما عنيفا جدا كتصادم النيازك فيدمر أحدهما الآخر بلمح البصر ليختفي الاثنان من الوجود معا في وقت كانا فيه على وشك أن يصبحا قوة عظمى يحسب لها الف حساب “وأكرر بصرف النظر عن صحة منهجهما من عدمه وهذا كلام أوجهه للواعين فحسب وأعترف بأنني” أخطأت وأعتذر” ولذلك قيل في فن الادارة الناجحة وأصول التنمية البشرية، أن ” المجموعات المتعاونة أكثر انتاجا من الجماعات المتنافسة ، فكيف بالمتصادمة ؟!” .
ولو بحثت في أسباب الصدام الثاني تجدها شخصية ونفعية بحتة تتعلق بمخلوقين يتصدران المشهد ويطمحان بالتحول الى – صنمين – مسلطين على رقاب الاتباع فضلا عن الجموع المغلوبة على امرها يتمنى كل منهما إمتلاك أوسع رقعة ممكنة جيو سياسيا وأكبر عدد من الجموع البشرية لبسط النفوذ على حساب الآخر ، أكثر من كونه صدام ايدولوجيات وتكتيكات وستراتيجيات ،ولولا ذلك لأتفق العرب فيما بينهم ضد عدوهم المشترك ، بخلاف ذلك لأتفق عبد الناصر وعبد الكريم قاسم في كل من مصر والعراق وكلاهما يزعم مقارعة الاستعمار الغربي ودعم حركات التحرر العربية ويحاول بزعمه افشال مخططات الرأسمالية في عموم المنطقة ، لأتفق البعثان السوري والعراقي أيام قوتهما ومجدهما في سورية والعراق وكلاهما يدعي الوحدة والحرية والاشتراكية ويرنو بحسب شعاره المعلن للامة العربية الواحدة ذات الرسالة الخالدة ، لأتفق الأخوان وحزب التحرير وكلاهما يريدان إعادة الخلافة الاسلامية التي أسقطها على حين غفلة اللعين اتاتورك ، لأتحدت حماس وفتح وكلاهما يواجه الكيان الصهيوني ويريد تحرير القدس وكامل فلسطين من البحر الى النهر بحسب ما يدعي، لقامت وحدة اندماجية بين مصر والسودان وكلاهما يتعرض الى حرب افريقية بتحريض اوربي لا هوادة فيها بدءا بالزراعة وانتهاء بالسدود والمياه ، لأتحدت الجزائر وتونس وليبيا وكلها تزعم رفض الهيمنة الغربية وتسعى لتحرير الارض وتأميم الثروات ، وقس على ذلك ما شئت من أمثلة قريبة وبعيدة ومعاصرة ، صِدام المتفقين على الهدف أخطر بكثير من صِدام المختلفين ، لأن الأولين لا يجدان حرجا للاستعانة بالمشركين والمحتلين والمارقين والمستبدين لإزاحة كل منهما خصمه ومحوه من الخارطة البشرية مهما كان الثمن وهنا تكمن طامتنا ذاك أن من طبع العدو أن يأكل الثور الأبيض مستعينا بصاحبيه الأحمر والأسود بادئ ذي بدء لينتهي المطاف بأكل الأسود مسلوقا ومشويا ومقليا ولكن من غير الإستعانة بأحد من رفاقه السابقين – المأكولين – بمباركته المسبقة هذه المرة ، وفاتهم جميعا وكما جاء في الأمثال الأفريقية ، أن ” افراد القطيع اذا ما اتحدوا ، فسينام الأسد جائعاً ” !
ولعل احدة من أشكال الاستحمار في حقبة الخمسينات والستينات وما بعدها ترويجهم لفكرة مفادها ، أن ” الحكومات المرتبطة بأميركا وبريطانيا والرأسمالية هي حكومات عميلة للغرب ، أما الحكومات المرتبطة بالاتحاد السوفيتي وأوربا الشرقية والشيوعية وبقية الدول الغارقة بالإلحاد فهي حكومات وطنية مستقلة ومتحررة ..!!” وكلاهما مستعبد ومسلوب الإرادة والحرية وما يجري في العراق اليوم نسخة طبق الأصل عن الأمس القريب بالقياس بالتزامن مع إصرار بعضهم على تكرار عبارة إخراج العراق من عنق الزجاجة والكل يسأل ” كيف ستخرجه وأنت لا تحل رجل دجاجة ؟!” ومن ظن أن محاكم التأريخ ستتغاضى عن الحصار وإحتلال العراق واهم أشد الوهم إنما هو صمت مؤقت سرعان ما ستمزقه صرخات الحقائق المعلنة إن عاجلا أم آجلا !
وأقولها وبكل صراحة ولست مضطرا للمحاباة والمجاملة في ظل الازمات المتلاحقة المحيقة بالأمة ،أن “على السنة والشيعة بكل أصولهم وفروعهم وفرقهم وجماعاتهم أن يتحدوا بما لا يقبل القسمة على إثنين وأن لا يكون كل منهما عونا للأعداء على صاحبه فلقد أرهقنا خصامهم ، فتتنا إحترابهم ، دمرتنا فرقتهم ، أضعفنا جدالهم ، ضيع مواردنا وجهودنا وطاقاتنا تشرذمهم ، مزقت دولنا نزاعاتهم ، إستباحت دماءنا ، هتكت أعراضنا ، إنتهكت حرماتنا مواجهاتهم ” ولتحقيق هذا الهدف الأسمى لابد من الكف عن اثارة المواضيع الخلافية بين الجانبين فورا، الكف عن تناول كل ما من شأنه اثارة الضغائن والأحقاد والمواجع بين الفريقين عبر وسائل الاعلام المقروءة والمرئية والمسموعة وفي المنابر والمجالس والدواوين ، الكف عن سب الصحابة الكرام وأزواج النبي الطاهرات من الارجاس والادناس ، الكف عن التشكيك بكتاب الله تعالى المنزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وحيا من الله تعالى ، المبدوء بالفاتحة والمختوم بسورة الناس ، إعطاء آل البيت الكرام حقهم وتعظيم شأنهم وترسيخ حبهم والأهم هو العمل بما ضحوا من أجله من مبادئ وقيم مستلهمة من مشكاة النبوة الطاهرة وعدم الاكتفاء بالعواطف الجياشة من دون التطبيق الفعلي لما علمونا إياه لنثبت حبنا وولاءنا الحقيقي لهم ، واذكر الجميع بالحديث النبوي الشريف ” أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ”، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: “صَلَاحُ ذَاتِ البَيْنِ، فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ البَيْنِ هِيَ الحَالِقَةُ” الحالقة التي تحلق الدين ، وبناء على ما تقدم لابد للخلاف من أن ينتهي وعلى كل منا العمل على ما إتفقنا عليه وإعادة النظر بما إختلفنا فيه لعبور المحنة بعد تكالب الاعداء على أمتنا كتكالب الاكلة على قصعتها .اودعناكم اغاتي