23 ديسمبر، 2024 6:31 ص

أحمد مرتضى أحمد الزهيري … نموذج الوزير المثالي

أحمد مرتضى أحمد الزهيري … نموذج الوزير المثالي

رحل امس في العاصمة الاردنية عمان احمد مرتضى احمد الزهيري الذي كان يشغل منصب وزير النقل والمواصلات في عهد النظام السابق بعد معاناة مع المرض ، وكان الراحل يعمل بأخلاص وبمهنية عالية ، كما انه عمل بيد بيضاء وانجازاته لا زالت باقية … وبحكم عملي في احدى الصحف المحلية في فترة التسعينات كمندوب لوزارة النقل والمواصلات ، تعرفت على هذا الرجل المسؤول … المهني .. الغيور .. المثابر .. الوطني والشجاع ، وجدته أنسانا بسيطا ومتواضعا ، ولكن قراراته فورية وشديدة وحاسمه ( بالحق ) وتصب بالتالي للصالح العام ، كان رمز من رموز الدولة وقدم عطاء لامثيل له من خلال عمله ( كمهندس متميز ) وايضا خلال جولاته التفقدية ليلا ونهارا لتشكيلات الوزارة المنتشرة في عموم العاصمة بغداد والمحافظات ، وحقق ايضا العديد من الانجازات المهمة على صعيد النقل العام والطيران والخطوط الجوية وشبكات السكك الحديدية والموانىء وانشاء (المرآئب ) الجديدة للنقل الخاص في العاصمة بغداد وأيضا في كافة المحافظات .
أستذكرهنا ثلاث مواقف عالقة في ذهني تعد بمثابة شاهد عيان على عمل هذا الوزير الذي عمل بوفاء وحرص وبمهنية عالية … الموقف الاول ، بعد تكليفي من قبل الجريدة بواجب الى محافظة ذي قار والكتابة عن ناحية البطحاء ، سافرت في القطار مع زميلي المصور ، وجدت هذا القطار نظيفا و جميلا وانيقا وكل شيئا فيه جديد ومريح ، ولكن !!! اثناء سير القطار من بغداد الى الناصرية وجدت المسافرين يتذمرون من شدة الحر كون اجهزة التبريد عاطلة ، كما وجدتهم منزعجين من ماء الشرب الحار جدا لاسيما ونحن حينها كنا في شهر تموز ، وهناك الكثير من المشاكل لا استطيع ذكرها هنا ، الا انني سألت عن المسؤول في هذا القطار من أجل أن أستمع الى رآيه ، فقالوا لي يوجد شخصا في الغرفة جالسا وحينما دخلت عليه وجدته ( يهفي ) هو الاخر ، قلت له ان المسافرين منزعجين من شدة الحر وعدم وجود الماء البارد رغم القطار انيق وجميل ما هو السبب ؟! ، فقال لي ان المسؤولين في ورشة تصليح القطارات في منطقة الشالجية ببغداد هم السبب ولم يهتموا بهذا الموضوع رغم تأكيداتنا عليهم ولم يعطونا قطع الغيار الكافية وهناك العديد من الاسباب الاخرى ، وبعد عودتي الى بغداد كتبت تحقيقا موسعا في الجريدة معززا بالصور ، عن كافة المعوقات والمشاكل التي صادفتنا ، وبعد النشر في اليوم التالي ، اتصل بي مديرأعلام وزارة النقل وقال لي بأن السيد الوزير الاستاذ احمد مرتضى احمد اطلع على التحقيق الصحفي ، وأمر بمعاقبة مدير عام السكك الحديد حينها وعدد من المسؤولين في الوزارة ، اضافة الى العاملين في ورشة التصليح في الشالجية وغيرهم ليكونوا عبرة للاخرين ، وبعد أسبوع واحد فقط سمعت خبرا ان القطارات جميعها تعمل بشكل جيد وان التبريد يعمل بصورة متميزة اضافة الى توفر الماء البارد في كافة العربات ، وكانت سعادتي كبيرة بعد هذا التغيير السريع في عمل القطارات ، ولكن !!! كل هذه الانجازات والتغييرات المفاجئة والسريعة جاءت من خلال متابعة الاستاذ احمد مرتضى احمد شخصيا .
الموقف الثاني ، تم تكليفي أنا وأحد المصورين في الجريدة وبدعوة خاصة من قبل وزير النقل المواصلات شخصيا الأستاذ أحمد مرتضى أحمد لمرافقته في جولة تفقدية على ان تكون هذه الجولة (مفاجئة وسرية للغاية ) ، وتكون بعد الدوام الرسمي وبالتحديد في المساء لزيارة عددا من الدوائر التابعة للوزارة وبدون علم المسؤولين اوالعاملين فيها ، من اجل متابعة الوزير لأعمال منتسبيه عن كثب وبدون تحضيرات او تهيئة لاستقبال الوزير ، ومنها دوائر مرأب الكرخ في العلاوي ومرأب النهضة في الرصافة ومديرية نقل الركاب ومديرية سكك حديد العراق في المحطة العالمية وورشة تصليح القطارات في الشالجية ومطار المثنى حينها وغيرها من الدوائر ، وتم تسجيل العديد من اللقاءات الصحفية مع السادة المسؤولين لهذه الدوائر بحضور السيد الوزير ، وبالنتيجة كان هناك ( عقابا وثوابا ) ، فقد وجه السيد الوزيرالعديد من العقوبات الصارمة للمقصرين في اعمالهم ، فيما كانت هناك توجيه كتب الشكر والتقدير والمكأفات التشجيعية للمتميزين في اعمالهم ، فكانت بحق جولة مهنية كبيرة ومبادرة رائعة من قبل السيد الوزير لوضع النقاط على الحروف لمعرفة مدى اندفاع العاملين في انجاز واجباتهم واعمالهم ، حيث تعتبر واجبات وزارة النقل والمواصلات من المهام الكبيرة التي لها تماس مباشر بحياة المواطنين .
اما الموقف الثالث ، وصلتني حينها العديد من المكالمات الهاتفية والشكاوى من قبل بعض المواطنين لمقر الجريدة يشكون فيها صعوبة النقل ليلا بعد وصولهم في القطار الى المحطة العالمية ببغداد ، وكان المواطنين القادمين من محافظة البصرة الى بغداد يدفعون (خمسة دنانير ) وحسب قولهم وان هذا المبلغ يعتبر جيد ولكن !! تصادفنا مشكلة كبيرة وهي عندما نصل الى بغداد ليلا ونخرج الى الباب الامامية للمحطة العالمية في منطقة علاوي الحلة ونأخذ سيارة الأجرة (التاكسي ) يطلب منا صاحب السيارة ( خمسة دنانير ) ويكون المجموع ( عشرة دنانير ) وهذا المبلغ مرتفع جدا .
ويتطلب ايجاد حل سريع لأنقاذ المسافرين ليلا في القطارات ، وهنا أتصلت بالسيد وزير النقل والمواصلات الأستاذ أحمد مرتضى أحمد مباشرة على هاتفه الارضي الخاص وشرحت له عن هذه المشكلة فقال لي موعدك معي اليوم في الساعة الثامنة مساءا في مكتبي في الوزارة ، وفعلا الساعة الثامنة كنت في مكتب الوزير ، وقال لي بالحرف الواحد هل لديك فكرة أو حل لهذه المشكلة ، فقلت له نعم ، بأمكان الوزارة ان توفر العديد من باصات نقل الركاب مع وصول مواعيد القطارات في المحطة العالمية ليلا وتسمى هذه الخطوط لجميع المناطق ويكون سعر التذكرة (ربع دينار ) فقط كما هو معمول به حاليا في أجور النقل العام ، ويكون المواطن هنا قد دفع (خمسة دنانير وربع الدينار فقط ) من البصرة وصولا الى بيته في بغداد ، وبعد ان طرحت هذه الفكرة على السيد الوزير قال هذا اقتراحا جيدا ، وبه يرفع سماعة الهاتف فورا ، واتصل على مديرعام نقل الركاب وقال له يجب عليك تخصيص ( 20) باصا وتكون جاهزة غدا مساءا عند وصول مواعيد القطارات في المحطة العالمية وتكتب اسماء المناطق على كل باص وتكون الاجرة (ربع دينار) فقط ، وفي نهاية اللقاء قدمت الشكر الكبير والامتنان الى سيادته لأستجابته الفورية لحل مشاكل المواطنين ، وفعلا اتجهت انا في اليوم التالي الى المحطة العالمية ليلا ، ووجدت هذه الباصات متوفرة ، وان المسافرين فرحين وسعداء بهذا الانجاز الكبير الذي تحقق بفضل سعي السيد الوزير وقراراته الصائبة والــفورية لصالح المواطنين .
رحم الله تعالى الاستاذ احمد مرتضى احمد الزهيري واسكنه فسيح جناته الذي خدم العراق بحدقات عيونه وبافكاره المتطورة وهمته العالية وحماسته وحرصه الكبير ومتابعته لكل صغيرة وكبيرة في قطاع النقل والمواصلات .