23 ديسمبر، 2024 1:24 ص

أحمد الصافي النجفي : حياته شعره خطفاً مانعا

أحمد الصافي النجفي : حياته شعره خطفاً مانعا

1 – العقاد بين أحمد الصافي وأحمد شوقي.
أحمد الصافي النجفي ، نجفي بمولده ونشأته الأولى ، وترعرعه ، ( 1897 – 1977 م) ، سنأتي عليه ، صبرك عليَّ….
يذكر خضر عباس الصالحي قي كتابه (شاعرية الصافي) ، وغيره ممن كتب عن شاعرنا الكبير ، وتواترت الروايات ، أن عباس محمود العقاد الناقد والكاتب الكبير قد قال في مقابلة إذاعية من قاهرته: (الصافي أكبر شعراء العربية) .(1)
ويزيد أحمد الخزعلي في ( لمحاته عن حياة الصافي الكبير) : ” لا يكفي أن يدرسَ الصافي أديبٌ واحدٌ، بل يجبُ أن يدرسَه مائةُ أديبٍ لسعةِ آفاقه الشعرية ” (2)
قول العقاد له مدلول كبير ككبره وعظمته ، لا يجوز أن نمرَّ عليه مرور الكرام ، و لا أدري أقال العقاد ما قال إيماناً بشاعرية الصافي الفذة ، وصدق عكس خوالج معاناته الذاتية ، وأحاسيسه الوجدانية دون تصنع أو تكلف ، أم نكاية بشوقي ، الذي بقى على خلاف معه حتى وفاة الأمير 1932 م.
وأكثر من هذا قد نفى عنه الشاعرية والشعر تماماً ، ناهيك عن أن يرضى به أميراً للشعراء ، والشيء بالشيء يذكر ، سُئل الصافي ذات مرة في لبنان عن أمير الشعراء فقال:

سألتـْني الشعراءُ أيـن أميرُهمْ؟ *** فأجبـتُ : إيليـا بقـولٍ مطلقِ
قالوا : وأنت ! فقلتُ : ذاك أميرُكمْ *** فأنا الأميرُ لأمـةٍ لم تُخْلَقِ

2 – إمارة الشعر تجرني لفقر الصافي وغنى نفسه ، وحفل تكريمه:
والحق معه…!!
من أين تأتي الإمارة لفقراء الجيوب ؟!! ، الإمارة للإمراء !! ، وقالها جهاراً نهارا:

وكم من أحمق منهم دعاني**** (أمير) ، فامتلأ قلبي شجونا
دعاني بالأمير، وكنت أولـــى ****بأن أدعـــى أمير المفلسينا

نعم كان ثرياً بأدبه ، عظيماً بشعره ، وقالها بعظمة لسانه ، ويراع قلمه:

أنا حسبي ثروة من أدبٍ *** قد كفتني عن طلاب الذهبِ
فليدم جيبي فقيــــراً ، إنّما *** فقر جيبي ثــــــروة للأدبِ

ومن الجدير والجميل ذكره ، في إحدى المناسبات دس أحدهم رسالة إليه ، وإذا بها بعض النقود ، فكتب:
ونبيل قومٍ جاد لي برســـالةٍ ***** فوّاحةٍ مـــن لطفــــه بــعبيره
وإذا بها ملغومة بسخائه ***** فأحترتُ بين مســــائتي وسروره
حاولتُ ردّ سخائهِ فخشيت أن** أقضي على نبع الســــخا بضميره
فرضيتُ منكسراً بجرح كرامتي**وقبلتُ جرحي خوف جرح شعوره

وإذا سألت عن تكريمه ، فهذا تكريمه ، ودع العراق للمتعرقين ، والعرب للأعراب ، وزرت النجف مراراً في أعوامي الأخيرة ، لم أسمع بشارع كبير يحمل اسمه ، ولا مدرسة كبرى تحمل رسمه ..!!. و كان الرجل قنوعا مجرد أن همس أحد المعجبين بأذنه ، من الذين لا يعرفهم ، مستشهداً بقول المتنبي : أنت (الطائرُ المحكيُّ والآخرُ الصدى) ، فجعل من هذا القول العفوي الصادق بإحساسه ومشاعره تكريماً له ، ما بعده تكريم ، فقال:

جاء مَنْ لم أعرفه، قال سـلامُ **قلت مَنْ؟ قال مَنْ بشعرِك هامُوا
كان ذاك السلامُ لـي مهرجاناً *** مهرجاني على الرصيف يُقـامُ

3 – عودة للعقاد ، والعودة أكمل!
مَنْ كان هذا شأنه ، لاجرم يكون للعقاد شأنٌ له آخر ، فكان ما كان ، وعلى الله التكلان…
والحق كان العقاد يكثر من معاركه النقدية مع معظم أدباء عصره وشعرائه ، لم يسلم من قلمه أحدٌ ، ربمّا إلا صديقه المازني.
فله معارك مع جبران وصحة مقاييسه للإحساس ، والرافعي ومخارج حروفه ، ومع سلامة موسى حول الوحدة العضوية ، ومع العميد طه حسين حول التفريق بين المنهج العلمي ، والعلم التجريبي ، وعدم زجّهما في مجال الرأي ، ومع الزهاوي وشعره العقلي ، و مع د. مندور حيث خالف العقاد في شدة التزامه بالنظريات والمذاهب في ميدان النقد والأدب والشعر(3) – على وجه الخصوص – ومن هنا امتدَّ الصراع بين العقاد وشوقي حتى الموت ، وأنا أميل لرأي الدكتور مندور ، وحجتي خلود شوقي وشعره على ألسنة كلّ العرب على حين شعر العقاد لم تتسع له مساحة عُشر كتاباته ونثره.
يقول البحتري عملاق الشعر العربي في الوصف وطيف الخيال والمدح : ( أعذب الشعر أكذبه)
ويقول حسان بن ثابت:

وإن أشعر بيت أنت قائله*** بيت يقال إذا أنشدته صدقاً
كلاهما صادقان ، فبأي آلاء ربكما تكذبان !!
البحتري كان صادقاً لأنه يقصد المبالغة وسعة الخيال والاستعارات والتشبيهات والتوريات وحسان كان صادقاً ، لأنه كان يرى رؤية العقاد في لحظة قوله أنّ الشعر هو حقيقة الحقائق ، إذ يعبّرالشاعر – والقول لي – عن أحاسيسه ومشاعره الذاتية الصادقة إبان ثوراته النفسية العاطفية والوجدانية ، فصدق شعره من صدق مشاعره عند بركانها اللذيذ أو الأليم . لذلك يقال : إن الشاعر لا يمكن أن يكون كاذباً في لحظات إبداعه.
فالعقاد يرى ، يجب أن يستمد الشاعر حرارة شعره من حرارة مشاعره ، وجذوات بركان ثورته النفسية المتأججة ذاتياً ، لا يستجديها من بركان الآخرين ، وثورة غيره من الثائرين ، فيأتي الشعر منافقاً مرائياً ، فالعقاد متأثر بمدرسة الشعر الغنائي ، وقد قال حسان بن ثابت نفسه ذات يوم:

تغن بالشعر إما كنت قائله ***إن الغناء بهذا الشعر مضمارُ

والتعميم غير دقيق في الشعر ، فالشاعر وحدة عضوية متكاملة ، تتمازج في كيانه كل مكنونات العقل الباطن ومخزونات العقل الظاهر ، وتتفاعل في خلاياه كل مظاهر الموروثات ، ومكتسبات البيئة ، والمشاعر والأحاسيس الذاتية ، والتأثيرات الموضوعية ، ويسكب خوالج هذه الفعاليات الحيوية على شكل قصيدة شعرية في لحظات إبداعية ، ويرى الناقد الراحل الدكتورمحمد مندور هنالك أنواع من الشعر العالمي الجيد يجب أن تختفي شخصية قائله كالملاحم في التراث الإنساني ، والشعر الدرامي الموضوعي ، ولكن العقاد يرى في مثل هذه الألوان من الشعر ، يجب أن تظهر شخصية الشاعر بصورة غير مباشرة .
فذلكة الأقوال : العقاد لايرى الشاعر الموضوعي شاعراً ، لأنه لا يعكس مشاعره الذاتية ، وأحاسيسه الأنانية الصادقة ، المتأججة من آلام نفسه ، بل يصف معاناة أو وجدان الآخرين ، وما هو بشاعرها تألماً أو لذة ، ومعظم شعر شوقي موضوعي ، وجل شعر الصافي أناني – تجد ( الأنا) ملازمة لشعره – متألم حتى النخاع ، قلّب شعره تجد حياته ، ومن هنا أجهد العقاد نفسه ليكتب عن ابن الرومي أروع ما كُتب عنه ، وقال عن ابن الرومي ” العبقري النادر …كان شاعراً في جميع حياته ، حيّاً في جميع شعره إن الشعر كان لأناسٍ غيره كساء عيدٍ أو حلّة موسم ، ولكن كان له كساء كلّ يوم ، وكلّ ساعة .” (4)
وشوقي كان شاعراً في كلّ حياته ، وفي كلّ يوم ، وفي كلّ ساعة ، ولكن بإتجاه آخر ، إذ لم يكن حيّاً في كلّ شعره ، وإنما غيره ، ولا أرى – على العموم – كان العقاد منصفاً مع شوقي ، وبقى شوقي حيّاً خالداً في شعره الموضوعي ، رحم الله الجميع.

وتنشر جريدة ( الشرق الأوسط) مقالاً بعنوان : المتنبي و الشاعر (المراحيضي ) – بفلم أنيس منصور وجاء فيه ” وجاء في مصر من يقول أيضا إن أمير الشعراء شوقي ليس شاعرا عظيما. وإنما هو (نظّام) عظيم.. ولم يترك العقاد لشوقي ميزة واحدة . فكانت للعقاد نظرية وهي «وحدة القصيدة» أو أن القصيدة وحدة عضوية، أي كالشجرة لها جذور وساق وفروع وزهور وثمار بهذا الترتيب. أما في قصائد شوقي فأنت تستطيع أن تضع بيتا في مكان أي بيت.. والمعني يستقيم ” (5).

مما ورد أعلاه يمكننا أن نتفهم لماذا أكبر العقاد الشاعر أحمد الصافي النجفي في حين نفى الشعر عن شوقي ، وذلك أن الصافي شعره حقيقة الحقائق ، ولا يستمد جذوات حرارة مشاعره وأحاسيسه من وقود الآخرين ، وإنما شعره ذاتي تختلج به نفسه الثائرة الجياشة ، وقصيدته تأتي كوحدة عضوية غير قابلة لتقطيع وصالها ، ولم ينافق فيها الشاعر لمدح أمير أو سلطان ، بل وضعت كقطعة غنية خالصة …!! وأعود لأقول : إن مساحة الذوق العربي – في مجال الشعر – تتسع لشوقي والصافي والبحتري وابن الرومي والمتنبي والمعري ولطرفة وزهير وووو والأذواق العربية على مرّ العصور تغربل جيده من رديئه ، والباقيات الصالحات ، والحكم للذوق العربي أجمعه.

– 4 – الصافي شاعر المعاني ، وما أدراك ما المعاني
يقول الصافي في ( إلهام البحر) :

إذا البحرُ لمْ يلهمْكَ منهُ معانيـــا ****فأَنْتَ غريــبٌ، لا يكلِّمُكَ البحرُ
فلستَ بكفءِ البحرِ، حتى تؤمَّهُ ***لأَنَّكَ صخرٌ جامدٌ، كفؤكُ الصَّخرُ
كذا الحسنُ ملكُ الشَّاعرينَ، لأنَّهُ ** يكلَّمُهم، والقولُ منهُ، هو الشعرُ
أرى البحرَ مثلَ الحُسْنِ مُلكاً لشاعرٍ ****ولكنَّ هذا الْمُلكَ سُرَّاقهُ كُثْرُ

لعل العقاد أعجب بالصافي ، وأعتبره أكبر شعراء العربية ، لأنه كبير كالبحر في كثرة معانيه ، يوّلدها أنى يشاء ، ويقذفها كالدرر من مكنونات نفسه ، لا من جذوات غيره ، يقول حافظ إبراهيم عن اللغة العربية:

أنا البحر في أحشائه الدّرُّ كامنٌ***فهل سألوا الغواص عن صدفاتي
فيا وَيحَكُم أبلى وتَبلى مَحاسِنــي *****ومنْكمْ وإنْ عَزَّ الدّواءُ أساتِي

هكذا كان ( صافينا) فناناً ، يمزج بين الجمال والمعنى ، ويحترق ذاتياً لينفجر إمّا أن يضيئ طريقاً ، أو أن يسبب حريقاً ، يقول في ( ظهور شاعر) :

برقٌ من السماءِ في الليلِ برقْ ****أم شاعرٌ في ظلمةِ الشِّعرِ انبثقْ؟
طالتْ علينا ظلمــــةُ الشِّعرِ بــنا ****حتى حَسِبنا كلَّ دهــــرهِ غَسقْ
فانفجرتْ وسطَ الظلامِ ذرَّةٌ ****أضاءَ منها البعضُ والبعضُ احتـرقْ
طالتْ بنا الظلمةُ نرقبُ الســـنا ***نقضي الدجى في ظلمةٍ وفي أرقْ
نامتْ عيونُ الْمُظلمينَ أَنفُســــاً ****لا أرقٌ يشــــكونَ منهُ أو قلــــقْ
ففاجأَتْــــهمْ ذرَّةٌ تنســــــفُهم *****فأحرقتْ ما جـــدَّ منهمْ أوْ عتــــقْ

المعاني بشقيّها البلاغي الدقيق ، و الذهني العميق
أ – تعريف علم المعاني ، وتوضيحه بنادرة لإعرابي نابه :
هو علم الدِّلالة ، وهو مختصّ بدرس معاني الألفاظ والعبارات والتراكيب ، ويَهْتَمُّ بِطَبِيعَةِ الكَلاَمِ والإِيجَازِ والإِطْنَابِ والْمُسَاوَاةِ . ويقول عبد الحميد الكاتب : اُرْوُوا الأَشْعَارَ واعْرِفُوا غَرِيبَهَا ومَعَانِيَهَا.
ويذكر الخطيب القزويني في (إيضاحه) عن المعاني (البلاغية) :
” وقال السكاكي علم المعاني هو تتبع خواص تراكيب الكلام في الإفادة وما يتصل بها من الاستحسان وغيره ليحترز بالوقوف عليها عن الخطأ في تطبيق الكلام على ما تقتضي الحال ذكره وفيه نظر إذ التتبع ليس بعلم ولا صادق عليه فلا يصح تعريف شيء من العلوم به ثم قال وأعني بالتراكيب تراكيب البلغاء.
ولا شك أن معرفة البليغ من حيث هو بليغ متوقفة على معرفة البلاغة وقد عرفها في كتابه بقوله البلاغة هي بلوغ المتكلم في تأدية المعنى حدا له اختصاص بتوفية خواص التراكيب حقها .” ( 6)

ولتوضيح صورة من صور المعاني البلاغية ، يذكر النابلسي في ( موسوعته للعلوم الإسلامية) ، و كذلك في (الموسوعة الحرّة ) بعد تعريفها لعلم المعاني : يحكى أن أعرابيًا سمع قارئاً يقرأ قوله سبحانه : {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالاً من الله والله (غفور رحيم) } (المائدة/38) ، فاستنكر منه ختام الآية بصفة الرحمة والمغفرة ، حتى تنبه القارئ إلى خطئه فأعاد القراءة على الصحيح : { والسارق والسارقة … والله عزيز حكيم} ، كما نزلت في كتابه الله ، عند ذلك قال الأعرابي الآن : استقام المعنى .(7)
فالعقوبة واقعة جزماً بعزّة الله ، فلله الأمر من قبل ومن بعد ، وبحكمته إذ لا تزيد ولا تنقص ، أمّا الرحمة والمغفرة ، فلهما مجال آخر ، وحساب آخر ، والله أعلم.

يقول الصافي النجفي في (مروحة البحر):
أتيتَ حبيبي البحرَ أشكو لهُ الجوى ** وأشكو لهُ حَرَّاً من الصيفِ لافِحا
فلطَّف لي حرَّ الهجيـــــرِ نسيمُـــهُ**** وصيَّرَ مـــن أمواجِهِ لـيْ مَراوحِا

ففي عجز البيت الأول معنى لغوي دقيق ، لا يمكن أن نقول مثلاً (وأشكو لهُ حَرَّاً من الصيفِ نافحا) ، هنا الإعرابي ، يقول لي : قف ..!! كيف في حرِّ الصيف ، يأتي نسيم نافح ، لأن نَفْحُ الرِّيحِ : هُبُوبُهَا فِي الْبَرْدِ خِلاَفَ لَفْحِهَا فِي القيض !
ولا يخفى ما في عجز البيت الثاني من تشبيه مؤكد ذهني رائع.

ب – المعاني الذهنية:

لنترك معاني علم ( البلاغة) الحديث جانباً ، ونقول : إنّ الشعر لفظ ومعنى ( شكل ومضمون ) ، والنقاد القدماء انقسموا إلى قسمين ، منهم من انحاز إلى تفضيل المعنى ، ومنهم من فضلَّ اللفظ ، والجاحظ يرى أنّ ” المعاني مطروحة في الطريق؟ ” ، وليس معنى هذا أن الجاحظ ضرب بالمعنى عرض الحائط ، وتوّجه إلى اللفظ وحده ، وإلا فأنّه قتل السر الخفي في لذاذة الشعر ، ينقل د. إحسان عباس وجهة نظر الجرجاني في توجيه قول الجاحظ العظيم وجهتها الصحيحة الصائبة ، وسأصيغها بأسلوبي ، وأدع لك حرية الرجوع للمصدر ، والمصدر يحيلك للمرجع . (8)
المعنى كالمادة الأولية لصياغة خاتم ، أي الذهب أو الفضة ، أو كالصخر لنحت تمثال ، ولكن ما يلفت نظر الناس ويبهرهم جودة الصياغة ، أو نحت الفنان المبدع ، ومن هنا يأتي إعجاز القرآن ، أو إلهام الشعراء ، وكفى بالله وكيلا.
ومن معاني الصافي في شعره الشافي ، بـ ( الخطوات السكرى ) ، يقول وما أحلى:
يزهو اختيالا كلَّما أرنو لهُ *** فيكادُ يبدو السُّكْرُ في خَطواتِهِ
نَظَري لهُ يجلو لديهَ جَمالَــــهُ ***نَظَري لــهُ يُغنيهِ عن مِرآتِهِ

على ما يبدو لي جلياً ، كان شاعرنا يتمعن كثيراً بالجمال ، ويتأمل ويتخيل ، الله يساعد قلبه ، فليس عجيباً أن يتحسر ويسأم ، اقرأ معي ، ولا تبالي:

تأتي بنا للكون رغم صراخنا ***ومتى ألفناه نسام رحيلا
فكأننا لم نأت في هذي الدنى*** إﻻ لنأخذ حسـرة ونزولا

يذكرتي البيتان بقول ابن الرومي العبقري الخالد:

لما تؤذن الدنيا به من صروفها*** يكون بكاء الطفل ساعة يولدُ
eإذا أبصر الدنيا استهل كأنــــه ***بما هو يلقــــى من أذاها يهدد
وإلا فما يبكيه منها ، وإنهــــا ****لأوسع مما كان فيه ، وأرغــدُ

لا يخفى حسن التعليل في أبيات الشاعرين ، ولا أدري هل هي توارد خواطر ، أم أعجب الصافي بأبيات ابن الرومي وتأثر بها ؟ ويغلب ظني الاحتمال الثاني.

معانٍ عميقة لتجاربٍ بسيطة ، ونظرات فاحصة لمناظرٍ عابرة …اقرأ ما يقول صافينا:

ولي في الشعرِ مدرسةٌ وشرعٌ ***وآياتٌ تلوحُ ومعجزاتُ
أعلمكم بشعري الشعر ، لكن**** تعلمُكمْ حياتي ما الحياةُ
كفى… لعلني أطلت ، ولكم شكري ما حييت ، سلاما ً وسلامْ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
راجع: (1)
– خضر عباس الصالحي: شاعرية الصافي – مطبعة المعارف – بغداد 1970م
– شعــراء في الذاكـــرة .. الشاعر احمد الصافي النجفي(1897-1977) : حسن طه الفياض الثلاثاء 23-08-2016 م.
– أحمد الصافي النجفي ( شاعر المعاني) : د . فالح الحجية – الديار اللندنية
الخميس, 06 آب/أغسطس 2015 م.
(2) لمحات من حياة الشاعر الكبير أحمد الصافي النجفي : الخزعلي أحمد – مجلة الحضارة الإسلامية العدد (11) – تاريخ النشر : 7 / 5 / 2010 م.
(3) معارك العقاد النقدية .. أحمد شوقي نموذجاً ؛ د. عبد العظيم حنفي – مجلة الرافد – دائرة الثقافة والإعلام – حكومة الشارقة.
www.arrafid.ae/192_f3.html
(4) ابن الرومي حياته وشعره : كمال أبو مصلح ، إبراهيم عبد القادر المازني – ص 9 – ط 1 – المكتبة الحديثة.
(5) جريدة ( الشرق الأوسط) مقال بعنوان : المتنبي و الشاعر (المراحيضي ) – بفلم أنيس
منصور – في يوم الاثنيـن 13 رجـب 1430 هـ 6 يوليو 2009 العدد 11178
(6) الإيضاح في علوم البلاغة : جلال الدين أبو عبدالله محمد بن سعدالدين بن عمر القزويني – ص 16 – دار إحياء العلوم – ط 4 – 1998م – بيروت.
(7) موسوعة النابلسي للعلوم الإسلامية : لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي.
موضوعات متنوعة – مقدمات كتب : أسماء الله الحسنى ( تمهيد) ، نشر بتاريخ: 07 – 01 – 2000م .
وراجع ( الموسوعة الحرة ) : علم المعاني.
(8) تاريخ النقد الأدبي عند العرب : إحسان عباس – ج 1 ص 423 ، 424 – ط 4 – 1983 م – دار الثقافة – بيروت – لبنان.
عن (دلائل الإعجاز) :عبد القاهر الجرجاني – 256 ، 178