23 ديسمبر، 2024 1:57 ص

أحلام بعد الخمسين

أحلام بعد الخمسين

قضيت حياتي بالأحلام، كانت أمراً مسلياً، في فورة الشباب، لكنها تبددت مع تقادم الأيام، أستحضرها كلما ضاقت بي الأحوال، تأسياً بالمثل الشائع ” إن ضاقك الضيم فتذكر أيام عرسك”.
كان حلمي الشهادة، لأني أرى فيها البوابة نحو تحقيق أحلامي الأخرى : وظيفة، زواج ، بيت، أطفال، وهي كما ترى، لاتعدو أن تكون مستلزمات لحياة طبيعية، أو بالمختصر هي ” سنة الحياة”، لكن كانت الجندية تنغص عليّ فرحت التخرج، ولاسيما أنها كانت تأكل أزاهير الشباب، حيث لاحد لها ولاوقت في زمن الحروب.
ومع تعقد الحياة، تستنفر الأحلام كل طاقاتها، من أجل إستحضار الأمل المفقود في غد لاخوف فيه، ولاظلم، ولا إستلاب للحقوق .. مثلما أجد فيها نفسي، بلا إنكسار أو هوان، وحتى لاأفوت فرصة للأمنيات الضائعة أن أجمعها وأجلبها اليّ، أترك للخيال أن يرسم لي بعض ما أحلم به، وأنا في اليقظة، حتى وإن كانت بعض الأفكار التي تراودني ساذجة، كأن أحصل على مصباح علاء الدين، أو طاقية الإخفاء، ثم أدور في فضاءات اللامرئي بحثاً عن كل أحلامي التي لم تتحقق.
لم أزل بلا وظيفة، ولا راتب يشعرني بالإطمئنان، كما لم أشعر يوماً بأني أعيش في بلد ثري يعوم على بحر من نفط، لذا تراني دائم التطلع الى ذوي القربى الذين أنتسب اليهم في بطولات كرة القدم الخليجية فقط، فيما أترحم على والدي الذي ترك لي ولأخوتي بيتاً تقاسمناه بيننا، والا كنت بلا مأوى.
لكني لم أبطل عادة الأحلام في المنام أو اليقظة، ولاسيما أن ساعات الوقت المسفوح على دكة البطالة طويلة، وتراني وأنا بعد الخمسين، أسابق الشباب الى سوح العمل، والملاذات الآمنة التي يسعون اليها، بهجرات مشروعة وغير مشروعة، وتجدني أواجه الأمواج، وأصارع الزمن بحثاً عن الذات، التي لم يبق لها الا ” حسن الختام”.
وعندما أحط على الأرض، وأفترش البلاط من أجل قتل ساعات الحر ، أتنازل عن تلك الأحلام، لأستدعي أحلاماً أقل تكلفة ومأونة، فأحلم بساعة كهرباء تحت نسائم ” السبلت”، وأغط في نوم عميق.
مشكلتي أنني أحلم، لكن في الواقع هناك من ينغص عليّ حتى أحلامي، بل يحاول أن يكون في داخلها ليجعلني في كابوس دائم، أوليقاضني على تلك الأحلام التي تمس الإرادة السياسية.
أنا عراقي، إذاً لابد أن أحلم، كي أعيش لغد، وليس بالضرورة أن أرى أحلامي قد تحققت، لاتتهموني بالسوداوية، لكنها خبرة رجل عاش مع الأحلام عقوداً وظل فيها حالماً.