ينقل لنا عادل امام في مسرحية الزعيم نموذجاً من الكوميديا السوداء التي تتحدث عن واقع تعيشه غالبية الدول العربية والمحيطة في المنطقة عن كيفية تحكم القادة بشعوبهم وتسلطهم بحجة “الحفاظ على المكتسبات” وإدارة الدولة بسياسة التفرد بمنهج مشابه للعبارة التي كان يرددها ملك فرنسا لويس الرابع عشر “الدولة انا وأنا الدولة” بجميع ما تشمله من معاني الاستبداد واستخدام “عباد الله” كوسيلة لتحقيق مصالحهم فقط.
لكن تجربة الزعيم عادل إمام تجاوزت القوميات وجميع اللغات لتنتقل الى اقليم كردستان ليعيش الدور من خلالها زعيم الحزب الديمقراطي مسعود البارزاني الذي يقدم نفسه “خادمًا” للمواطنين ومدافعا عن “قوتهم اليومي”، في وقت يمارس هوايته بالتسلط وحب السلطة بجمع الأموال وتخزينها بالبنوك والمصارف الخارجية، مستغلًا “صفة الزعيم القومي” تلك الكذبة التي صاغها بنفسها عبر العديد من السنوات، والتي حاول ترسيخها بعد العام 2003، حينما تمرد على الحكومة المركزية في العاصمة بغداد ورفض إرسال العائدات المالية من المنافذ الحدودية ومبيعات النفط لاحقا، وفي كل مرة تحاول الحكومات المتعاقبة معاملته بالمثل يعود “لسياسة التباكي” على حقوق الشعب الكردي، من خلال بيانات مزورة وأرقام غير حقيقية، أقربها أعداد الموظفين في مدن كردستان فهل يعقل ان يكون مليون و300 الف كما ابلغتنا رئاسة حكومة الإقليم، مقابل ثلاثة ملايين موظف في بقية المحافظات.
وفي تساؤل يتداوله الكثير من المواطنين حتى في الإقليم، إذا كانت رواتب الموظفين تسحب من بغداد، فأين تذهب أموال النفط المصدر والمهرب؟، الجواب واضح ولا يمكن الابتعاد عن تفسير ذهابه بجيوب البارزاني الابن وأسرته، لخلق امبراطورية “كاذبة” اساسها يقام على جماجم “الفقراء”، وبحساب بسيط يكشفه شاسوار عبد الواحد رئيس حراك الجيل الجديد المعارض عن امتلاك الحزبين الحاكمين في الإقليم اربع شركات وحدها تمتلك نحو اثنين وثلاثين مليار دولار، الذي يكفي لسد رواتب الموظفين لمدة خمس سنوات، إضافة إلى مائة وعشرين مليون دولار تسرق من ميزانية الحكومة وتنفق على الحزبين، ليخرج لنا بعدها السيد البارزاني ويطالب بالأموال على الرغم من مخالفته لجميع الاتفاقيات الموقعة مع الحكومات المتعاقبة بحجة الديون المترتبة على بغداد.
وبعد انتهاء الفترة “الذهبية” التي كان يعيشها البارزاني في عهد صديقه القديم رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، لم تجد الحكومة المركزية وسيلة لإجباره على التوقف عن “السرقات” غير قطع الرواتب المرسلة بعنوان اتفاقية “النفط مقابل الأموال” التي كانت تنفذ من طرف واحد فقط، بأداة وضعها البارزاني في حكومة عبد المهدي يمثلها وزير المالية فؤاد حسين الذي يرسل الأموال من دون استلام عائدات النفط، لتجد السلطة في كردستان فرصتها بإظهار الوجه الحقيقي في العلاقة بين المركز والإقليم لتبلغنا بعشرة مطالب ردت من خلالها على سياسة التعامل بالمثل التي اعلنتها بغداد، ولعل ابرزها تعويضات مالية تصل إلى ثمانية مليارات دولار عن إيواء النازحين من المحافظات التي كان يحتلها تنظيم داعش، وهي ورقة كان يحتفظ بها البارزاني لاستخدامها في وقت الضرورة، ليتجاوز بعدها مرحلة “العقل” مطالبًا بتعويضات عن جرائم النظام السابق منذ وصوله للسلطة في العام 1963 وحتى انتهاء عهده في 2003، تقدر بنحو 400 مليار دولار، متجاهلا بانه كان اكبر المستفيدين من رئيسه صدام حسين حينما تعاون معه في حربه ضد الاتحاد الوطني الكردستاني ومساعدته باسقاط السليمانية في تسعينيات القرن الماضي.
الخلاصة… ان استمرار البارزاني بسياسته الديكتاتورية التي يحاول من خلالها السيطرة على جميع المفاصل في الإقليم وتفرده بالقرارات على حساب قوت المواطنين والشركاء سيجعل كردستان تعود لنظام الإدارتين الذي بدأت ملامحه بالظهور حينما ارسل مجلس محافظة السليمانية طلبًا لحكومة الإقليم بالانفصال مع محافظة حلبجة عن ادارة اربيل والعودة إلى نظام الإدارتين كما كانت عليه الأمور قبل العام 2003، وهي رسالة يتحمل نتائجها من يخالف الاتفاقات ويحلم خارج حدود امكانياته….. اخيرا.. السؤال الذي لابد منه متى سيتوقف البارزاني عن أداء دور المظلوم؟…