23 ديسمبر، 2024 1:35 ص

أحكام عقيدة التنزيه 2/2

أحكام عقيدة التنزيه 2/2

الآن لنتناول تصورات عقيدة التنزيه فيما يمكن أن نعده أحكام الله. كل ما توجبه الإنسانية أو العقلانية فهو من واجبات الله وفروضه، وكل ما تنهى عنه الإنسانية أو العقلانية فهو من محرمات ونواهي الله، وكل ما تبيحه الإنسانية أو العقلانية فهو من مباحات الله، وكل ما ترجح الإتيان به أو تركه الإنسانية أو العقلانية فهي مما يرجح الله الإتيان به أو تركه.

بتعبير آخر كل ما كان ضرره واضحا ومعتدا به، فيجب تركه، وما يعود ضرره على غير الفاعل يكون تركه واجبا، وما يعود ضرره على نفس الفاعل يكون تركه راجحا، وكلما ارتفعت درجة الإضرار بالنفس، ازدادت درجة الإلزام بالترك، حتى بلوغ وجوب الترك، أي الحرمة أو المنع الذي لا رخصة معه. وبعض الإضرار بالنفس، إذا ما كانت له مردودات على آخرين، يتحول إلى النوع الأول، أي الإضرار بالغير. ونفع الغير، إذا لم يكن واجبا من حيث المبدأ بل راجحا أخلاقيا، يكون ذلك النوع من نفع الغير الذي يكون تركه إضرارا بذلك الغير، ويكون متوقفا فعله على شخص بعينه، يتحول تركه إلى مكروه أو محرم بحسب طبيعة ودرجة المنفعة والضرر المترتب على تركها. وتقسم الواجبات والمحرمات كما هو التقسيم الديني إلى عيني وكفائي، أو خاص وعام، وإلى غير ذلك من التقسيمات، التي تعد تقسيمات عقلائية أكثر من كونها دينية، وإن اعتمدتها الأديان، لاسيما القواعد الفقهية والقواعد الأصولية، من قبيل العنوان الأولي والعنوان الثانوي، وغيرها. لكن المعيار في عقيدة التنزيه ليس النص الديني، بل العقل والضمير، الحكمة والأخلاق، علاوة على القانون كعقد مجتمعي ملزم، ويكون القانون ملزما، إذا شُرّع في ظل نظام ديمقراطي، أو إذا كان عادلا، حتى لو لم يكن في ظل نظام ديمقراطي، أو توقف عليه الصالح العام. وكل ما اعتمدته مجتمعات الحداثة من الحقوق والحريات، لاسيما ما دونته لوائح ومواثيق حقوق الإنسان، فذلك ملزم فعلا وتركا. يضاف إلى ذلك ما تكرر ذكره، وهو النسبية والتحول، أي التطور إيجابيا نحو مزيد من العدل في عالم الإنسان، ومزيد من العقلانية. ثم إني فصلت أكثر فيما يمكن تصوره مما ينتظره الخالق من الإنسان، وذلك في موضوع «رسالة من الله إلى الإنسان».