عقيدة التنزيه ليست دينا مشتملا على أحكام وتشريعات تنسب إلى الله، بل إنها تعتمد كل ما تعتمده وتتبانى عليه البشرية مما يجسد البعد الإنساني والبعد العقلاني في السلوك، وهي بالتالي تعتمد ثقافة الحداثة ومتبنياتها في السلوك، ملتزمة بالحرية والمسؤولية والضمير والمساواة والعدالة وكل القيم الإنسانية. لكن مع هذا لو تساءلنا عن تصورات عقيدة التنزيه حول أحكام الله، فيمكن عرضها من حيث المبدأ كالآتي.
ابتداءً نقول إن السلوك الإنساني يمكن تقسيمه إلى ثلاثة أقسام إجمالية، مع تقسيم تفصيلي للقسم الأوسط منها، وهي نفس التقسيمات المعتمدة من قبل الأديان، أو المدارس الأخلاقية. فهناك سلوك واجب الإتيان به، ومحرم تركه، وسلوك محرم الإتيان به، وواجب تركه، وسلوك مرخص الإتيان به، ومرخص تركه. بالمصطلح الديني يسمى الأول بالواجب، أو الفرض، والثاني بالمحرم، والثالث بالمباح، أو الحلال. وهذا الأخير ينقسم انقساما ثانويا تفصيليا، إلى سلوك مرخص تركه، ويفضل الإتيان به، وسلوك مرخص الإتيان به، ويفضل تركه، وسلوك ثالث لا مفاضلة البتة بين الإتيان به وتركه. الأول يسمى بالمصطلح الديني بالمستحب، أو المندوب، أو النافلة، أو السنة، والثاني بالمكروه، والثالث هو المباح، أو الحلال مطلقا. وسميت الواجبات والمحرمات بالتكاليف الإلزامية، بينما سميت المباحات بالتكاليف الترخيصية، بما في ذلك ما يكون الإتيان به أو تركه مفضلا وراجحا، فيبقى ترخيصيا رغم رجاحة أحد طرفيه، الإتيان به عندما يكون مستحبا أو مندوبا، أو تركه عندما يكون مكروها. وهذه التقسيمات ليست دينية محضة إلا من حيث المصطلحات الخاصة بأدبيات كل دين، بل هي من حيث المضمون تقسيمات المدارس الأخلاقية، بل أيضا هي تقسيمات القوانين التي تضعها الدول لتنظيم حياة شعوبها.