كتاب القاص والباحث كريم عباس زامل (أحفاد العروس)* الذي جنسه بـ(قصص) يثير عدداً من الأسئلة حول هذا النمط من الكتب متنوعة التوجهات الثقافية-الأدبية.مفهوم القصة القصيرة خضع لكثير من التعريفات فثمة ما يذهب إلى أن”القصة القصيرة جنس أدبي وعبارة عن سرد حكائي نثري أقصر من الرواية، وتهدف إلى تقديم حدث وحيد غالباً ضمن مدة زمنية قصيرة ومكان محدود لتعبر عن موقف أو جانب من جوانب الحياة، لا بد لسرد الحدث في القصة القصيرة أن يكون متحداً ومنسجماً دون تشتيت.وغالبا ما تكون وحيدة الشخصية أو عدة شخصيات متقاربة يجمعها مكان واحد وزمان واحد على خلفية الحدث والوضع المراد الحديث عنه”- مجموعة مصادر/ بتصرف.في “اللغة العربية”: أن القصة القصيرة هي من التتبع وقص الأثر أي تتبع مساره ورصد حركة أصحابه، والتقاط بعض أخبارهم”. وثمة تعريفات أخرى، منها أنها” أحدوثة شائقة مروية أو مكتوبة يقصد بها الإقناع أو الإفادة، وبهذا المفهوم الدلالي، فإن القصة تروي حدثاً بلغة أدبية راقية عن طريق الرواية، أو الكتابة، ويقصد بها الإفادة، أو خلق متعة ما في نفس القارئ عن طريق أسلوبها، وتضافر أحداثها وأجوائها التخيلية والواقعية”- شريبط أحمد شريبط- تطوّر البنية الفنية في القصة الجزائرية المعاصرة- منشورات اتحاد الكتاب والأدباء العرب- دمشق.وثمة أراء ووجهات نظر كثيرة في هذا الشأن. حتى الآن ليس هناك اتفاق عام وشامل حول مفهوم (القصة القصيرة) لدى اغلب المعنيين بالكتابة عنها، عالمياً وعربياً، وكل منهم يقدم ما يراه و يعتقد به ويكتب على ضؤئه. بعض النقاد والباحثين العرب يعيدها إلى التراث تارة ويجد في المقامات بداية للقص العربي وكذلك ألف ليلة وليلة ويرى إن:” الثقافة العربية الكلاسيكية، غنية بالمتون الحكائية والنوادر والقصص والحكايات الشعبية والأساطير والخرافات، سواء الأصيلة مثل سيرة عنترة بن شداد العبسي، وقصة حرب البسوس والسيرة الهلالية”. والآخر لا يتفق مع هذا ويؤكد أن: ” فن القصة” بمعناه الحديث وآلياته غريب على المتن العربي وإنها جاءت من تلاقح الثقافة العربية مع الثقافات الغربية”. لسنا هنا في معرض الترجيح والبحث التاريخي حول هذا الموضوع ونحن نحاول أن ندلي برأي في (أحفاد العروس) للكاتب (كريم عباس زامل). ركز (عباس) في مقدمة كتابه على توثيق علاقته بالجماعات الأدبية في البصرة منذ السبعينيات كاتباً: ” ترتبط علاقتي بالجماعات الثقافية في البصرة إلى أواسط السبعينيات..الخ” ثم يدون سيرته الشخصية منذ مرحلة الدراسة في متوسطة جابر بن حيان مروراً بإعدادية الجمهورية ومقهى (منكاش) في محلة الجمهورية والحوارات في الشعر والأدب والرسم وهوس الانشغال بالفلسفة عامة والوجودية بالذات وصولاً لمؤلفات ماركس وكيركيجاد ونيتشه ثم غارودي وكتابه (واقعية بلا ضفاف) ويذكر كثيراً من زملائه في تلك المرحلة وينتقل بعد ذلك إلى ذكر أشياء كثيرة ثقافية وحياتية شخصية-عامة و تجربة إصدار مطبوعات مستنسخة لبعض الجماعات الأدبية في البصرة وكيفية توزيعها في تسعينيات القرن الماضي ونهاية هذه الإصدارات وثمة هوامش عددها خمسة ملحقة بما كتب وذكر لأسماء عديدة من أصدقائه غيب بعضها الإعدام أو الحروب المتعاقبة ، أو الهجرة زمن الحصار (ص7- 18 ). ونحن نرى إن هذا الموضوع روي لسيرة وتجربة شخصية- ثقافية خاصة عامة ويمكن أن يتحول إلى كتاب منفصل بعد تطويره ونشره لا بصفته مقدمة لـ (أحفاد العروس) فهو لا ينسجم معها كونها قصصاً كما جنسها (زامل) ذاته.تألف الكتاب من (23 ) مادة بعضها يدخل ضمن سرد السير الشخصية لبصريين محليين، والآخر حمل عنوانات لشخصيات ثقافية عالمية تحت عنوان واحد مثل وجه رامبو ووجه بودلير ووجه ميرلوبونتي ووجه نيتشه ووجه دستوفسكي وهي بمثابة بورتريهات تشكل الكتابة عنها هوس جدي مع تمازج و اهتمام الكاتب في توجهاته الثقافية – الفكرية في هذا الشأن ، والدخول في جزء من سيرتها الشخصية ومصائرها المحزنة والمجحفة. وثمة مواضيع عن السينمات في المدينة والتي اندثرت الآن لكن (زامل) يعيدها من الذاكرة ووقعت تحت عنوان واحد هو (سينمات) ومنها سينما الأطلس، واسمها الفعلي(أطلس)،وسينما الوطني، وسينما الحمراء، وسينما البورت كلاب، وهي مواضيع يتداخل فيها التاريخ والحضور الشخصي في قاعاتها برفقة بعض أصدقاء الراوي والحديث عن بعض الأفلام التي عرضت فيها وهذه المواضيع تقع ضمن السرد الاستذكاري الذي يمنح الحاضر ما كان ماضياً متميزاً ومدنياً ومحاولة للوقوف بوجه النسيان، لكنه يتجاهل باقي دور العرض السينمائية الأخرى، و التي يجاوز عددها ، في مركز المدينة فقط ، الـ(15) بين شتوية وصيفية، وباتت من الماضي إذ اندثرت جميعها الآن. بعض قصص (أحفاد العروس) تبدأ بإيضاحات توضح المتن وتفسد متعة القراءة والتلقي الذي يعتمد الدهشة والاكتشاف مثل قصة (عودة الزعفران- ص56) التي يؤكد أنها فصل في رواية ويقدم لها مقدمة تتألف من (22 ) سطراً و( فوبيا الايمو- ص77 ) التي يؤكد الكاتب أنها فصل من رواية ويشرح ويكتب مقدمة لها تتألف من (12) سطراً قبل الدخول في متنها ، وكذلك (أحفاد العروس- ص113) التي يذكر الكاتب في بدايتها (أنها فصل من رواية لعائلة سعدة بنت حسين من شط الخضر…الخ)، ولم يكن الكاتب بحاجة لذلك بل كان عليه ترك المتن السردي يتحدث عن نفسه بعيداً عن هذه المقدمات التي لا نرى ضرورة لها. وثمة في (أحفاد العروس) محاولة في التجريب وهو ما أطلق عليه القاص زامل (قصص من ست كلمات- ص161 ) وبدأت بـ (نبوءة بورخس: بين القبور كان نيتشه يحمل جثة دانتي) وكذلك سيرة وحلم والمشرحة ولوركا، و(البير كامو:في تيبازا كان ميرسو يتذكر أمه)، و(كارل ماركس:محكوماً بالأشغال الشاقة عندما شتم ستالين)، أما (هاملت: بجمجمة عمر الخيام يحتسي النبيذ)، و(كليوباترا:امرأة الرغبة القاتلة تدخل ربيع الروح)، و(دستوفسكي: كنيسة الثلاثة اقانيم يبكي بصمت)، و(نيرودا: القصائد تُدخل الجنرالات في أتون الجحيم) ، و(أبو غريب: الجثث تحملها الشاحنات باتجاه أحواض التيزاب). وهي عبارة عن تلخيصات مقتصدة مشاكسة اعتمد المؤلف بعض الضدية والواقعية الفنتازية من حياة ومواقف مَنْ أوردهم في هذه السطور وهي بمثابة البرقيات المختصرة و عددها(26 ) وتحمل شحنات تتألف من سيرة و بعض مواقف مَنْ جاء فيها. مجموعة القاص كريم عباس زامل( أحفاد العروس) التي تألفت من( 166 ) صفحة من القطع المتوسط وصدرت عن اتحاد أدباء وكتاب البصرة-2013 ، يهديها إلى” فاضل ومهدي ونزار و ثامر.. الذين غابوا.. ” ، هيمن عليها الراوي الوحيد وكلي العلم والذي يروي ما حدث في الواقع العيني بطرائق تهيمن عليها غرائبية السرد الذي تبناه المؤلف كون ما يحدث في الواقع العراقي الماضي والراهن لشدة سطوعه ووضوحه لا يندرج إلا ضمن الغرائبية ذاتها، لكن كان يمكن ترشيق(أحفاد العروس) من بعض الزوائد التي يمكن أن يُضَمنها( زامل) في كتب مستقلة، خاصةً انه يملك خبرة معروفة في طرائق السرد ووظائفه ووحدة الموضوع وعبارته رشيقة وثمة أفق ثقافي متنوع ومتعدد وواسع ينطوي عليه الكاتب في مجموعته هذه وغيرها من المواضيع التي سبق وان اطلعنا عليه منشورة في صحف ومجلات ثقافية- أدبية عدة.وللقاص كريم عباس زامل مجموعة قصصية بعنوان (أغريق) أصدرها عام 1999 في البصرة و كتاب نقدي بعنوان (البصرة أواخر القرن العشرين) وآخر عنوانه (الخطاب الجديد) و(عودة الزعفران) رواية مخطوطة.
* إصدارات اتحاد أدباء وكتاب البصرة/دمشق- 2013