ما كان ينتظر مثل هذه المفاجأة غير السارة التي حملها صوتها وكلماتها التي كانت كالصاعقة،،وللأمانة فقد كان متخوفا من ان يطلعها على شيء من الحقيقة التي طالما أقنعها أنها غير مهمة لتجربة حب قديم تعرف كما يعرف أنها كانت كل حياته يوما ما،،يوم قاده قدره إلى الحب المستحيل،،حيث لم تكن الدنيا هي الدنيا والناس هم الناس،،يوم كانت هي في عالم وهو في عالم موازي مخاطر لهما يوما ان يتقاطعا،،لا لانه كان يعيش في عالم الأخرى التي كانت عالمه قبل ان تحزم حقائب الرحيل بلا سابق موعد،،
انتظر ستة عشر عاما ليقول كلمته الأخيرة ويكتب قصة الماضي وهو في حاضره إنسانا اخر ،،مخلوقا ولد للتو عمره خمس سنوات لا غير وهو ابن الأربعين ونيف من السنوات،،
كانت كطفولة متأخرة أدركها ليعيشها ،،وما كان يدرك ان الطفولة يمكن ان تكون اجمل مما يعرف البشر،،تلك التي استحالت في أمسية صيفية غير منتظرة إلى طفرة عمرية إلى الوراء،،لحظة قرأت ما كتب من تفاصيل ما مضى في قصة استعصت اوجاعها على الشفاء ستة عشرة سنة،،شابت طفولته في حوار يائس حاول فيه إقناعها عبثا أنه ما كتب اعترافات بقدر ما كانت إسقاطات لأوراق الحزن المتيبسة في غصن وجوده الذي اخضر يوم أوصلته الأقدار إلى شاطيء عينيها الجميلتين في تلك الظهيرة التي استجاب فيها لابتسامة عينيها عند المعبر الذي اعتاد الجميع اجتيازه للوصول إلى المدينة المكبلة بالاسلاك الشائكة التي زرعها المحتلون ،،كان قد فرغ للتو من اخر مغامراته اليائسة التي كان يسميها (محاولات) للصمود في وجه جدار الوحدة الذي فرضه غياب تلك المرأة التي لم يعد حقاً يعرف عنها حقيقة واحدة غير تلك التي كان يصنعها في حكاياته،،
لتبدأ قصة أخرى ظنها تشبه قصصه العابرة ،،تلك التي ولدت تحت رذاذ اول أمطار الربيع،،يومها جمعته بها جلسة مع نفر من الصحب الذين تعرف عليهم للتو ،،فسألت وهي تنظر للسماء من النافذة ان كانت ستمطر في وقت ماكان فيه المطر أمرا منتظرا فقال لها : ائذني لها ان تمطر وستفعل،،،
أخذ ابتسامتها الساحرة ومضى الى مكان عمله وما هي الا دقائق وأعلنت السماء استجابتها لنداء خفي تسلل من بين كلماتها،،تخلل الشوق أثناء الروح مختبئا في عطشها كما اختبأت قطرات المطر بين حبات التراب،،وكُتِبَت أولى سطور قصة العزاء التي عوضته عن كل أوجاع السنين التي عاشها قبلها،،تلك القصة التي لا تشبه القصة القديمة التي ارسلها لها مترددا خائفا من ان تقرأ فيها ما تراه من حنين الى ماض كان يحن له قبل ان يدخل عالمها ،،وتصبح عالمه ،،
وأثمر الخوف أحزانا بكلمات رسالتها التي وصفتها بالقول،،(رائعة ،مؤلمة،رأيتك في كل حرف وأحسست بوضعك/انتهت)،،،
فرد عليها :ما أحببت ان تقرأيها يوما،،لكنها انتهت حقاً،،،
قالت كلمات رسالتها:ورقا لا شعورا،،
اجل ردة فعله الى حين تتسنى له فرصة الكلام معها مع ان كل من كان من حوله من الزملاء قد انتبه لتغير ملامحه ،،وكانت نذر الحزن قد لاحت لاحقا في أفق الحوار ،،
أخبرته ان القصة كانت صاعقة،،وشكرته لانه اعلمها،،او بالأصح فتح عينيها على الحقيقة،،قال:أخبرتك أنني كتبتها أخيرا لأتحرر من أوجاعي وأرتاح،،ردت بعناد المجروح:لا أريد الحديث عن الموضوع ،،
ماكان يريد قوله ابعد ما يكون عن التبرير ،،كان خيبة أمل انتظر حدوثها منذ الصباح وهو ينتظر ردة فعلها ،،مع انه منى نفسه بان تقرأه كما هو،،كما تحول على يديها إنسانا اخر مختلفا بعد ان كان حطام إنسان،،وبعد ان كان يعيش حياته بلا معنى ومنحته أجمل معنى جعله يتحول من عبثية أشتهاء الموت الذي يختار بالطريقة التي يختار تحول الى حب الحياة التي وجدها فيها،،
اسقط في يده فقرر البوح بأسوأ ماكان يريد تحاشيه من مخاوف،،قال لها:لأول مرة اشعر أنني يمكن ان أفقدك!!!
جاء ردها بكلماته نفسها حين قالت: هذا ما شعرت به وأنا اقرأها،،،
غرست من غير ان تعي سكينا وردية في جدار الأمان الذي بنته حوله ،،وهي التي ما غرست منذ ان عرفها غير وردات بيض على صفحة القلب المتصحر باشواك الآخرين ،،
ودعها بكلمات فتحت أبواب الترقب على الآتي من غير ان يعرف ان كانت الشمس ستشرق غداً على أحزان البنفسج في حديقة أربعينه السرية،،