حتى الأمس القريب كانَت مُجتمعاتنا العربية والإسلامية تعيش بأمن وسَلام وتبات ونبات الى حُدود مَعقولة ومَقبولة كحال أغلب المُجتمعات في العالم، وكان الدين بالنِسبة لها جُزئاً مِن هَويّة ثقافية حَضارية، وطريقاً للتواصُل مَع خالقِها. حَتى جاء ذلك اليوم الأسوَد، الذي ظهَر فيه فِكر الإسلام السياسي مُحاولاً تعكير صَفو هذا الأمن والسَلام، لإحياء مَجد خِلافة وسَلطنة إسلامية عَفا عَليها الزمَن، وإنعدَمَت الظُروف المَوضوعية لوجودها، بحُجّة ظاهِرُها ديني وَرع هو نُصرة الدين وإعلاء شأنِه، وباطِنُها دُنيَوي جَشِع هو الوصول الى السُلطة بكل جاهِها وجَبَروتِها.
لقد كان حَسَن البنا هو أول مَن نَثر بذور هذه النَباتات السامة بتُربة المُجتمَعات العَربية، والتي لعِب الجَهل والتَخلف عامِلاً مُهمّاً بتقبّلها له وإنتشاره فيها، حتى طَغت اليوم على النباتات الصالِحة فيها، تلاه سَيّد قطُب ثم الخُميني. ورَغم رَحيل هذه الأسماء عَن عالمِنا منذ وقت طويل، إلا أنها ترَكت وَرائَها حُقولا ومَزارع مِن هذه النباتات لها أول وليسَ لها آخِر، فرّخَت في البَدء مافيات إستِثمارات وتوظيف أموال، تحَوّلت فيما بَعد الى حزاب إسلام سِياسي، تنتشِر اليَوم على طول العالم العَربي والإسلامي وعَرضِه، مِن باكستان الى موريتانيا، ومِن فلسطين ولبنان الى اليَمن والصومال، بَل وبَدَأت تنبُت اليَوم في جَميع أنحاء العالم كالوَباء، بحَيث لم تعُد تسلم مِنها أي بُقعة مِن بقاع الأرض، وباتَت أشبَه بشَبَكة عَنكبوتية مُترامِية الأطراف، تتلقى دَعماً لا مَحدود مِن جهات دولية مُتحالفة مَعها تسعى لأيصالها الى السُلطة في الدول العربية والإسلامية على حِساب الأنظِمة الكلاسيكية التي تحكمُها مُنذ عُقود. ففي إيران ضاقَت الدُنيا على الشاه ورَأينا الخٌمَيني يَهبط سُلّم طائِرة فرَنسا(الحُرّية!) في مَطار طَهران مُتأبّطاً ذِراع طَيّار فرَنسي! وفي العراق جَيّشَت أمريكا (حُقوق الإنسان!) جيوشَها لتستبدِل صدام بروزَخونيّة إسلام سياسي كحَليفها الحالي نوري المالكي! ونختُم بما سُمِّي بالربيع العَربي والـدَور المُريب الذي لعِبَه الغَرب(الديمُقراطي العَلماني!) لوجستياً وإعلامِياً في التحَكّم بأجواءِه، فمَرّة يُضَيّق على بَعض الرؤساء كما فعَل مَع مُبارك وبن عَلي لدَفعِهِم للتنَحّي وإستِبدالِهم بأخَوَنجيّة كالغنّوشي ومُرسي، ومَرّة يَصِف شَراذِم السَلفيين والقاعِدة في ليبيا وسوريا بالثوّار ويُؤازرُهُم بقِتالِهم ضِد الأنظِمة الحاكِمة، التي ورَغم سِلبيّاتِها الكثيرة تبقى لها أفضَليّة على عِصابات الإسلام السياسي الهَمَجية المُتوَحِّشة بكونِها عَلمانية.
كزَرع شَيطاني سام نبَتَ هذا الفِكر فجأة في تُربة مُجتمَعاتنا، وباتت سُمومَه تؤثرعلى وَعي شَرائِح واسِعة مِنها، وتدفعُها للهَلوسة. ولقد شاهَدنا قبل سَنوات تأثير هذه السُموم التي بثتها نباتات مِن شاكلة جلال الدين الصَغير وعَدنان الدليمي على شَرائِح واسِعة مِن المُجتمَع العِراقي، وكيف خدّرَتهُم ودفعتهُم لهَلوسَة كانت نتيجَتها حَرب أهلية، قتل فيها العراقيون بَعضهُم على الهَوية المَذهبية والدينية. وهانَحن نشاهِد اليَوم النتائِج الكارثية لهَلوسَة(ثورات الرَبيع) التي عاشَتها مؤخراً بَعض المُجتمَعات العَربية بفعل السُموم التي بَثتها فيها نَباتات مِن شاكِلة القرَضاوي واعِظ سُلطان قطَر، خصوصاً عِبر شاشة الجَزيرة التي تمَثل مَنبَعاً لسُموم الإسلام السياسي ولِسانُه الناطِق، والتي نجَحَت نيجة لخِبرتها بتزييف الحَقائق وترويج الأباطيل في خِداع الناس بَعد أن صَوّرَت لهُم خَريف الإسلام السياسي رَبيعاً للحُرية والديمُقراطية.
لقد باتَ الأمل بالتخَلص مِن هذا النباتات السامة، وإقتلاعِها مِن جُذورها التي باتَت ضاربة بعُمق في نفوس المُجتمَعات العَربية ضَعيف جداً بل وشُبه مَعدوم، في ظِل سُيول التَخلف التي تُغرق عُقولها وسُحُب الجَهل التي تُغطّي سَمائَها وتَروي هذا النَباتات السامة بما يُطيل عُمُرَها مِن الأسمِدة، وفي ظِل غِياب أي نوع مِن أنواع المُبيدات التي مِن شأنِها القضاء عَليها وعلى فِكر الإسلام السياسي الذي يَقف خلفها، وفي ظل دَعم إقليمي ودُولي لهذا الفِكر ورَغبَة بإيصالِهِ للسُلطة في مَنطقة الشَرق الأوسَط والعالم الإسلامي وتوليه لمَقاليد الأمور فيها في الوقت الحاضِر وعَلى المَدى القريب، فيما يَبدوا أنّه صَفقة دُبِّر لها بليل بَين أحزاب الإسلام السياسي والأطراف الدولية التي تدعَمَها. وفي الوقت الذي وَقفت فيه أغلب الأنظِمة العَربية بقوة بوَجه هذا النَباتات السامة وتَهديدِها لمُجتمَعاتِها التي مَثلت تَركيبَتِها الفِكرية الإجتِماعِية المُعَقّدة أرضاً خَصِبة لنمُوّها، كانَت المُجتمَعات الغربية بمَأمَن مِن هذا النَباتات وسُمومِها، الى حين قامَت حُكوماتِها بغباء ورُبما خُبث بزراعَتها بَين ظِهرانيها، عِبر إستِيرادِها لبُذورها وإستِقدامِها لأراضِيها بإسم الديمُقراطية وحُقوق الإنسان، مِثل أبو قتادة وأبو حَمزة المَصري والمُلا كريكار والمُهاجر وعمر عَبد الرحمن وهاني السِباعي وياسِر الحَبيب وغيرهُم مِن البُذور السامّة،التي كان لها دور كبير في تسميم نفوس المُجتمَعات العربية والإسلامية والغربية وأجوائِها، وتحويلِها مِن مُجتمَعات طَبيعية الى مُجتمَعات مَريضة لا أمَل بشِفائها حَتى في المُستقبل القريب.