أمواج الأجيال وتياراتها ذات مواهب وطاقات وقدرات وإمكانات واعدة , وبراعم تبحث عن البيئة المواتية لتتفتح وتورق وتنطلق في سموقها وتناميها وتعبيرها عن الكامن فيها , وفي كل جيل هناك ما يمكن الإستثمار فيه ورعايته وبناء الحاضر والمستقبل بواسطته.
وكل واحد منا يتذكر أبناء جيله وما كانوا يختزنونه من المواهب والقابليات المتيزة , التي غابت في متاهات الأيام ومدارات الأزمان.
والمجتمعات الحية ترعى مواهب أبنائها وتمدها بالوسائل والتسهيلات الكفيلة بتفتحها وتطويرها , وإستخلاص الأفضل منها وتحويلها إلى مشاريع إقتصادية إنتاجية ذات مردودات إيجابية لصالح المجتمع والوطن.
وكان جيلي يزدحم بالمواهب والمؤهلات الإبداعية والإبتكارية المتميزة , لكن معظمه ذهب طعاما للحروب العبثية والتفاعلات التدميرية التي أصابت البلاد والعباد , وما إستطاع الواحد منا من الذين نجوا بأعجوبة من ويلات الحروب , وبالكاد أن يستثمر ولو قليلا مما فيه من المواهب والقدرات , وما برز من جيلنا إلا القلة النادرة , وما قدموا ما هو نافع ومتميز لأنهم كانوا في حالة إنهاك وإحباط ويأس مقيم.
فقد وجد جيلنا حاله في محنة تصارعية مع أجيال سابقة لا ترحم , وتتمتع بأنانية وإستحواذية مدمرة لذاتها ولكل ما حولها من الحالات , ووجدتنا في إختناقات ومضايقات ووضِعَت أمامنا العوائق والمصدات والقوانين المقيدة لتفاعلاتنا وتطورنا وتقدمنا , وكأننا أستُعْبِدنا من قبل الأجيال المستحوذة , التي لا تفكر بأي شيئ سوى نفسها وما تتمكن منه لصالحها.
ولهذا وجدتنا في محنة صعبة دفعت بالعديد منا إلى التشرد في أرض الله الواسعة , والتفاعل مع مجتمعات أخرى ذات ثقافات وتطلعات مغايرة وذات أبعاد متنوعة.
قد يقول قائل ما يحلو له من التقولات والتصورات ويأتي بالمؤامرات وغيرها من التبريرات , لكن الحقيقة المرة التي عايشناها , أن الجيل المتنفذ كان متسلطا وعدوانيا ولديه نزعات إستعبادية وإمتهانية شديدة وشرسة , ويحتكر الدنيا لنفسه وحسب , وكان في تصارع غابي عنيف مع أبناء جيله ذاتهم , فكل واحد منهم كان يريد بسط إرادته على الجميع.
وهذه العلة المشينة المدمرة هي التي جعلتهم يندفعون في حروب لا مبرر لها للقضاء على إرادة الأجيال الصاعدة والحفاظ على بقائهم في السلطة والمراكز الوظيفية , التي يسيطرون عليها ويؤمّنون بواسطتها مستقبل أبنائهم وبناتهم وأقاربهم , ومعظمهم يدين بالمحسوبية ويعتنق دين الكرسي ومذهب الدولار.
نعم عشناها بوجع وإصرار على التحدي والبقاء والتحرر من قبضة جيل لا يرحم الأجيال , ويمعن بإذلالهم والنيل منهم بشتى وسائل الإيذاء التي يبررها بمنطوق عفيف ونظيف , وما هو إلا ترويج لما يعتلج في أعماقهم من النوازع السيئة والدوافع الشريرة القاضية بالتفرد , وإنكار حق الأجيال في المشاركة بصناعة الحياة.
فالرأي رأيهم , والقرار قرارهم , وهم الذين يعرفون ويعلمون وتنتهي عندهم الحكمة والفهم , والأجيال من حولهم عليها أن تتبع وتحنع وتتوسل , ولهذا وصلوا إلى نهاية مخزية ومشينة بعدوانيتهم الكامنة فيهم والتي أعمتهم فأفنتهم.
وعلى ذات المنوال تجري الأمور اليوم وتتحقق المآسي والويلات , والفرق أن الدين صار المنهج الذي يتم بواسطته إعتقال الأجيال في أوعية العمائم وتدميرها , وتذويبها في محاليل الوعيد والمزيد من الضلال والبهتان المبيد.
فهل ستحترم الأجيال الأجيال؟!!