18 ديسمبر، 2024 6:52 م

أستمع لحوار يجمع بين الكاتبين الكبيرين المصريين مصطفى أمين وأنيس منصور , وتظهر فيه روح التواصل ورعاية الأجيال وتشجيعها , وإعانتها على العطاء والنماء , فالجيل السابق يرعى الجيل اللاحق ويدعمه ويوفر له وسائل التفتح والنضوج والإنطلاق.
ولهذا أوجدت مصر رموزا كبيرة في الأدب والثقافة والصحافة , أما في مجتمعنا العراقي , فأن الأجيال تتحاصد , تتنافر , تتباغض , تتناحر , وكل جيل يحسب نفسه هو ولا غيره!!
وحتى يومنا هذا لا نسمع من الأجيال التي بلغت من العمر عتيا إلا ما هو سلبي وإلغائي ونكراني وإحباطي وتثبيطي , فهي تتمترس في زمنها وتحسبه أزهى الأزمان وغيره عبارة عن “خردة” , وهذه نرجسية مرضية فاعلة فينا.
فأنيس منصور تلميذ مصطفى أمين , وسلامة موسى أوجد نجيب محفوظ , وأخذ بيديه إلى طريق الإبداع الأصيل , وهناك الكثير من الأسماء المصرية وربما العربية , التي أوجدت أسماءً ورموزا إبداعية ذات قيمة معرفية وحضارية.
وعندما نبحث في واقعنا العراقي لن نجد مثالا واحدا مهما حاولنا أو توهمنا وإدّعينا , وهذه علة خطيرة تمخر في أعماق الوجود الثقافي , مما تسببت بفقدان دور المثقف وإنعدام قيمة الثقافة في المجتمع , وميله إلى ما يناهض ذلك ويلغيه.
فلو نظرتم في واقع اليوم وتساءلتم – على سبيل المثال – هل قدمت أجيال الستينات والسبعينات والثمانينيات مثالا وقدوة للأجيال التي تلتها , ومَن منهم قد أخذ بيد مبدع وإستثمر فيه لصناعة المبدع الذي يريده ويراها نموذجا للتفاعل ما بين الأجيال؟
ربما لن تجدوا أحدا!!
وإذا وجدتم فعليكم بالقول والإفصاح!!
هذه الظاهرة السلوكية العراقية بإمتياز , يصعب تفسيرها ومعرفة آلياتها , لكنها تشير إلى تخندقات نرجسية متمحورة حول عامود الأنا , الذي تضخم حتى أوهم أصحابه بأنه الخيمة الوهاجة التي لا تضاهيها جميع الأنوار.
كما أنها تشير إلى فقدان التفاعل التربوي والتغذية التواصلية ما بين الأجيال , وهذا نهج تقاطعي إقتلاعي عنيف يعصف بالساحة الثقافية على مدى العقود , وهو يفسر غياب الرموز الثقافية العراقية الفاعلة في الثقافة العربية والإنسانية.
ومن العجيب أن السلوك يبين أن الذي يريد أن يكون عليه أن يلغي الذي كان ويريد أن يكون , ويعجز عن إيجاد صيغ تفاعلية إيجابية ذات منفعة مشتركة , وقوة إبداعية متلاحمة.
فهل من جواب , أم أن ما تقدم محض كلام؟!!