في تقليد تم الأخذ به لما يقارب القرن،خاطب الرئيس الأمريكي الجديد الشعب وأمام الاجتماع المشترك لمجلس النواب والشيوخ بمناسبة وجوده في السلطة لأول 100 يوم، قدم جرد حساب لأعماله خلال هذه الفترة، وهي محطة لتقييم انجازاته وتوجهاته الداخلية والخارجية، والذي أصبح عُرفا لقياس أدائه، ووفق آخر استطلاع للرأي أجراه مركز بيو (Pwew) للأبحاث نال بإيدن رضا 59% من المستطلعين ، مقابل 46% التي حظي بها الرئيس السابق ترامب خلال الفترة نفسها.
إن هذه النسبة لصالح الرئيس بايدن جاءت على ضوء الإنجازات التي حققها على الصعيد الداخلي فقد انصب جهده خلال هذه الفترة حول الوضع الداخلي لإعادة ردم الهوة التي اتسعت بين الأمريكيين أثناء الانتخابات والفرز وإعلان النتائج بما فيها اقتحام مقر الكونغرس في مبنى الكابيتول، وكذلك الحد من انتشار جائحة كورونا التي حصدت أرواح عديدة بفعل الإدارة السيئة للرئيس السابق، فقد تم توزيع 220 مليون جرعة لقاح، واعتماد خطة للإنعاش الاقتصادي قيمتها ما يقارب 4 تريليون دولار لمكافحة جائحة كورونا والأضرار الناجمة عنها اقتصاديا، ولإعادة بناء البنية التحتية.
إلى جانب هذه الانجازات على الصعيد الداخلي، لم نلاحظ الخط البياني نفسه على صعيد السياسة الخارجية، وذلك للقضايا العديدة التي تتطلب إعادة النظر حولها، على ضوء سياسات الرئيس السابق والتوجهات المعلنة للرئيس الجديد إثناء حملته الانتخابية، ومن هذه القضايا العلاقة مع أقوى خصمين في المنطقة وهما إسرائيل وإيران، والتي سنتطرق لها في هذه المقالة:
العلاقة مع إسرائيل
توظف الإدارة الجديدة, ما وصلت إليه صفقة القرن و اتفاقيات أبراهام بين إسرائيل والمغرب والإمارات والبحرين وتوسيعها حيثما أمكن، وحث الفلسطينيين للانخراط بها، مع التأكيد الأمريكي الرافض بضم الأراضي العربية إذ كانت فلسطينية أو سورية، وكذلك الإيفاء بالتعهدات التي قطعها بايدن بإعادة فتح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن وإعادة قنصلية الولايات المتحدة في القدس والتي هي بمثابة السفارة مع فلسطين، التي أعلن عن النية عنها في 29/1/2021 والتي تواجه بعض الإشكاليات القانونية، وباستئناف المساعدات لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ( أونروا) التي أعلن عنها بتاريخ 8 نيسان 2021 البالغة 235 مليون دولار التي قطعها ترامب، بعد رفض القيادات الفلسطينية الانضواء في صفقة القرن. وستبقى إدارة بايدن ترفع شعار حل الدولتين، وتنتظر الوقت المناسب لإحياء التفاوض بخصوص الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، بعد الانتهاء من تشكيل الحكومة الإسرائيلية على اثر الانتخابات الأخيرة بتاريخ 23/3/2021 والتي هي الرابعة خلال سنتين ,التي لم تحسم الصراع الدائر بين المعسكرين الرئيسين, حيث لم يستطع اي منهما من تشكيل حكومة مستقرة، وانتظار أيضا الانتخابات الفلسطينية التي تم تأجيلها من قبل الرئيس محمود عباس بتاريخ 29 نيسان 2021، بسبب رفض إسرائيل بمشاركة فلسطينيي القدس بالانتخابات والتي تكرس الانقسام الداخلي للفلسطينيين.
من الجدير بالذكر تبقى حماية أمن واستقرار إسرائيل وتفوقها العسكري في الشرق الأوسط من أهم الأولويات التي تلتزم بها الولايات المتحدة بغض النظر عن الرئيس الأمريكي الذي يتولى الإدارة وبما في ذلك الرئيس بايدن.
العلاقة مع إيران
كان شعار الرئيس المنتخب بخصوص العلاقة مع إيران هو العودة الى خطة العمل الشاملة المشتركة والتي تسمى اختصارا (اتفاقية 5+1 ) التي انسحب منها الرئيس ترامب بتاريخ 8/5/2018 بشكل أحادي ودون التنسيق مع حلفاء الولايات المتحدة، وقد شرع الرئيس بايدن بإحياء المفاوضات وحصول بعض التقدم في المحادثات التي تجري في العاصمة النمساوية فيينا وبشكل غير مباشرة بين الدول الموقعة على الاتفاق مع إيران حول الخطوات التي يمكن إتباعها من أجل عودتها للالتزام ببنود الاتفاق مقابل رفع العقوبات عنها من قبل الولايات المتحدة. وتواجه هذه السياسة التخوف من قبل حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة وبالأخص إسرائيل وبعض دول الخليج، وتعتبر إسرائيل من أشد المعارضين للاتفاق عند التوقيع عليه في عام 2015، وقد انعكس ذلك بحالة البرود التي سادت العلاقة بين الرئيس اوباما ورئيس وزراء اسرائيل نتنياهو، بحجة أن هذا الاتفاق سيطلق يد إيران في المنطقة وان المشروع النووي الإيراني يشكل تهديدا خطيرا لأمن إسرائيل، إما بعض دول الخليج وبالأخص المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين تحاول الضغط بإضافة أجندة جديدة لبنود الاتفاق وهما الحد من الصواريخ الباليستية والتي تشكل مصدر خوف والهلع لهذه الدول المنطقة، حيث تشكل مخاطر جدية على أمنها واستقرارها، اما الأجندة الأخرى: هي الدور الإقليمي الإيراني في المنطقة، الأخذ بالتوسع والانتشار على حساب هذه الدول، حيث حققت إيران توغل عميق في العراق وسوريا ولبنان واليمن. ولذلك تتوالى الوفود الأمريكية في المنطقة لغرض تبديد هذه المخاوف وتطمين الحلفاء، والتي من بوادرها فتح القنوات الدبلوماسية بين هذه الدول ومع إيران، وان التصريحات الأخيرة من بعض المسؤولين في الرغبة بخفض التوترات والمصالح المشتركة والتأكيد من (أن تغيير اللهجة والخطاب يساعد في تصفية بؤر الخلاف والتوتر وإعادة الأمن والاستقرار في المنطقة)، هذا يعكس تطور جدي في المنطقة.
من سير المفاوضات في فيينا، يتضح وجود ترقب حذر من قبل الإدارة الأمريكية للعودة للاتفاق النووي ورفع العقوبات الاقتصادية عن إيران، وبنفس الوقت، هناك تخوف من البقاء في الانتظار حتى انجلاء نتائج الانتخابات الرئاسية في إيران عند شهر حزيران القادم، والتي ستفضي بفوز المتشددين على موقع الرئاسة إضافة إلى سيطرتهم المريحة في مجلس الشورى، مما يصعب من مهمة الإدارة الأمريكية بإبرام صفقة العودة ورفع العقوبات بأقل الخسائر الممكنة.