23 ديسمبر، 2024 7:32 ص

أجراس ميلاد صغيرة تضمينها الحصّة التموينيّة يقرعها الجميع وحلوى 

أجراس ميلاد صغيرة تضمينها الحصّة التموينيّة يقرعها الجميع وحلوى 

 ليس لنا إلاّ بعضنا لبعض , لن ينفعنا زوّار الفجر الأميركيين ولا الإيرانيين ولا تمويل الخليج أو معونات الأمم المتّحدة , قد تسدّ البطون لكنّها لن تغلق بوّابات الجراح , عراقيّتنا الحنينة تدملها تجمعنا الألفة والمحبّة والجيرة محنّتنا هبّة واحدة لهدف دكلص عزيز في مرمى رومانيا فلا لفئة أو مذهب أو دين تحجزها , لن أعبد الله ولن أعترف بوجوده يوماً إله يفضّل قوماً على قوم مهما كانت الأسباب , فالله الحقيقي يعذر لا يتصيّد .. ثمّ  لماذا لا نتعلّم من الأطفال الأقرب لعطف الإله , عندما كنت صبيّاً كانت “دليلة” بنت ساطع عبّوش تحتفل معنا منذ صبحيّة كلّ عيد فطر أو أضحى ومن هنا أبارك أحيّيها وأحيّي والدتها وأحيّي زوجها بعيد ميلاد المسيح رغم أنّي لا أعلم أين هم أحياء أموات مهجّرين , كانت تشاركنا الذهاب إلى “المراجيح” هي واختها الأصغر تارة , والدتها ملكة جمال العراق خلقاً وخلقاً بمسابقة نادي العلويّة في تلك السنين .. كان عيدنا ونحن وسط محافظة تشتهر بالتديّن والانغلاق التام بحيث من العيب تدخل امرأة من المدينة السوق فقط نساء “الريف” والبدويّات لابتعاد أشكالهنّ الخارجيّة عن مظهر الأنوثة ! أمّا دخول السيما فمن سابع المستحيلات من تفعلها عائلته تلاقي خبر ذلك على أفواه طلبة المدرسة الصغار في اليوم الثاني كفضيحة وعار ! وفي مجتمع ضيّق كهذا كنّا نحاول كسر القيود المنحرفة والشاذّة كان شيت عبد الأحد و نبيلة ساكا يشاركوننا احتفالاتنا أوّلاً بأوّل ونحن خلسةً كنّا نشاركهم بتوجيه الوالدين والشهادة لله , بل كان بطل العراق برمي القرص “أستاذ منصور وأخيه أستاذ سليم الشديد في تدريس مادّة الإنكليزي لا يطيب لهما إلاّ الجلوس بمقهى السوق جنب “الجامع الكبير” ! لم نستثمر جيّداً مع الأسف تلك الروح المسيحيّة الّتي يمتلكها أولئك المسيحيّون النجباء العراقيّون الأصلاء بل الأنكى كثيراً ما كانوا يُقابلون بالاستهجان أو بالتطفّل “بحجّة الشقه” بدعوتهم للإسلام من “بطرانين” رغماً عن رقيّهم الحضاري والثقافي والأخلاقي الواضح للجميع يجبر أيّ عاقل مبادئ أو عقيدة على دخول دينهم لا ديننا ! ..
لم يكن بوسع ولا حتّى أهالينا المثقّفون الخرّيجون يمسكون بأيدينا جرساً نقرعه بعيد الميلاد أو “كلاواً” أبيضاً نبعد به وحشة احتفال أخوتنا في الوطن الّذي افترشه المسلمون منهم باسم الإسلام رغم ترفهم الحضاري الزاكي العميق وجيرتهم الّتي ضرب بها رسول الإسلام مثلاً يُحتذى : ( .. ونم في بيت النصراني ) .. لم يطلبوا منّا آباءنا وأهلينا قرع الاجراس لطرد “وحشة  الشعور بالقلّة” الّتي تلازم المسيحيّين مع كلّ عيد لهم منذ بزوغ فجر دين يفترض يغني لا يقطع ! ولم يطالبونا بضرورة مشاركتنا إيّاهم أفراحهم وأعيادهم لا نعتبرهم “أهل ذمّة” بهذا المصطلح الطائفي السقيم الخارج من بطون الظلام أكثر إيلاماً وتجريحاً , نصمت أفضل ! .. لم ترد في أدبيّات الأمويين ولا العبّاسيين فتاوى إنصاف لدعوات مشاركات تلم شمل جميع رعايا تينك الامبراطوريّتين بدعوتهم لتبادل الزيارات في المناسبات رغم أنّ الرسول كان يعود يهودي اشتهر برمي الأزبال على داره ! ربّما فقط الاندلسيّون وبعض من الشمال أفريقيّون , لم نجد في تراثنا شيء من دعوة لمشاركة الآخر احتفالاته بل وحتّى طقوسه لكسر الحواجز بين أخوة الدولة او الوطن الواحد ولا حتّى بفتوى قرع جرس ضرب طبل دف ولو هلهولة على الأقل , لا .. “فنحن أصحاب الجنّة والباقون ليسوا من خلق الله” كُتب علينا أن نكون شعب الله المختار “لو دقّقنا الفتاوى” ؟ .. لولا الشعب المسلم نفسه تمرّد على فتاوى السلاطين وتجّار الوجاهة والدين في العصور المتأخّرة بعدما شملت المحن المسيحيّون والمسلمون سواءً بسواء ولما نزع المسلمون بالأخذ على عاتقهم زيارة الكنائس ومعابد الاخرين بانتظام لإيقاد الشموع كنذور وللبكاء في حضرة مريم فرحاً بمولودها يسوع أو الغطس في الماء , فلولا المآسي الّتي طالت الجميع كما يحدث اليوم ما عرف حينها المسلم البسيط أنّ الله حقّ فعلاً وأنّ العيش المبغض شرّ وأنّك ليس بأفضل من ذاك إلاّ “بالتقوى” ومن المعيب أن تسري اليوم لازمة :”أخواننا الفلانيّون” ! وكأنّها تُباعد لا تقرّب , عراقيّون “شقيقي” خدمة الوطن وخدمة الجميع .. الاحتفال بأعياد الميلاد فرض عين من الآن فصاعداً , ولكن كأشقّاء وأعزّاء في المشترك الوطن وفي الإنسانيّة فلطالما شقيقي تسمّوا بأسماء المسلمين وزاروا أوليائهم وقدّموا النذور لهم في جميع بلدان الإسلام لفكّ الأذى من شرٍّ ابتلى به , فذاك ابن كوركيس أسموه كاظم بعد عقم  ,  ليس خوفاً إنّما “نذراً” ..