* كان أجدادي البدو القدماءُ، وتطبيقاً لإعرافِهم العتيقةِ، ينظرونَ الى مَنْ يخالفُ القانونَ أو يتشاجرُ مع شرطيًّ أو يتجاوزُ الإشارةَ الضوئيةَ على أَنهُ (سبع وأخو أخيته)!

* وكانَ أجدادي البدو القدماءُ يغزونَ القبائلَ المجاورةَ ويعتزونَ بمَنْ يقتلُ أكثرَ من غيرهِ أو يسلبُ أكثرَ من غيرهِ ويسمونهُ (فحل وصڰار الزلم)!

* وكانَ أجدادي البدو القدماءُ يفتخرونَ باللصوصِ منهم (الحرامية) ويجعلونَ لهم مكانةً خاصةً ويطلقونَ على مَنْ هو اكثرُهم لصوصيةً وبطشاً لقبَ (العجيد)!

* هلْ تعلمونَ أن شيخَ العشيرةِ الجليلِ قد خصصَ راتباً كبيراً (معاش) لجدي (العجيد)؟

* نعمْ، فقدْ كانَ اجدادي يعتمدونَ على الغارةِ والسرقةِ كمصدرٍ مهمٍ وسهلٍ للـ (رزقِ)، وعندما فرضَ عليهمُ الفاتحونَ القادمونَ من شبهِ الجزيرةِ الجنوبيةِ تعاليمَهم استفادُوا منها لإضفاءِ الشرعيةِ على ذلكَ (الرزقِ)، خاصةً أن تلكَ التعاليمَ تبيحُ الكثيرَ من الأشياءِ المحببةِ لنفوسِ أجدادي المحترمينَ.

* ولكي يُثبتُ أجدادي التزامَهم بطقوسِهمُ الجديدةِ فقدْ كانَوا، والحقُ يُقالُ، يحرصونَ على تناولِ طعامِهم قبلَ ان يتبينَ الخيطُ الأبيضُ في عندما تكون الغارةُ في الشهرِ المقدسِ.

* وقد تعلّمَ أجدادي، رحمَهم اللهُ، تعاليمَهم الجديدةَ على يدِ بعضِ المدّعينَ الجهلةَ الذين رسّخوا في أذهانِهم أن مجردَ التلفظِ ببعضِ الكلماتِ أو القيامِ ببعضِ الأفعالِ البسيطةِ، حتى لو كانتْ شكليةً، ستكون نتيجتُها السحريةُ الخلودَ في يومٍ موعودٍ اعتماداً على الكتابِ الذي يعرفُ اسرارَ الجنانِ والذي حفظوهُ وبجّلوهُ اكثرَ من كتابِ التعاليمِ المقدسِ، لقد انشغلَ أجدادي المساكينُ بحسابِ عددِ القصورِ والنساءِ الجميلاتِ التي ستُمنحُ لهم، ولا تنسَوا فقدْ كانَ أجدادي مزواجينَ وضعيفينَ جداً أمام القاصراتِ والانهارِ التي يجري فيها السائلُ الذهبيُ!

* إن أجداديَ البدوَ القدماءَ بعدَ أن ضمنوا الخلودَ في اليومِ الموعودِ لتمتمتِهم بكلماتٍ بسيطةٍ وخفيفةٍ وقيامِهم بمسيراتٍ كبيرةٍ، لم يعد أمامَهم أيُّ مانعٍ ليستأنفُوا عملَهم المحببَ والقريبَ

على قلوبِهم، أي الغارةَ على الآخرينَ، خاصةً وانهم يرِثونَ تأريخاً طويلاً من (الفرهود)، ولكنْ في هذا العصرِ الحديثِ، وكلُّ شيءٍ يتطورُ طبعاً بما في ذلكَ عمليةُ (التسليب)، أصبحَ الآخرون هم الدولةُ وشعبُها من المواطنينِ الضعفاءِ، فما دامَ جدي قد ضمنَ الخلودَ فلماذا لا يسرقُ؟ ولماذا لا يرتشي؟ طبعاً سينكرُ اجدادي البسطاءُ هذه الحقيقةَ وسيقسمون بأغلظِ الايمانِ أنهم لا يفكرونَ بهذه الطريقةِ، ولكنّي أقولُها بكلَّ صراحةٍ: لنْ أُصدّقهمْ حتى لو اقسموا بكلِّ ما يقدسونهُ، لأنهم في يومٍ ما سيسبونَ ما اقسموا بهِ، وحتى لو اقسموا بكلَّ الخطوطِ الحمراءِ التي يبجلونَها، لأنهم من كثرتِها نسَوا اغلبَها واصبحَتْ بمرورِ الزمنِ اقلَّ احمراراً.

* لقدْ ترسّخَ في أذهانِ أجداديَ البدو القدماءِ أن الأموالَ العامةَ لا مالكَ لها ومن الممكنِ الاستحواذُ عليها والتصرفُ بها دون أيّ إحساسٍ بتأنيبِ الضميرِ، ذلكَ الضميرُ الذي دخلَ في غيبوبةٍ بتأثيرِ النصوصِ الموضوعةِ، وهنا طرحَ جدي نفسهُ كمالكٍ معلومٍ للأموالِ المجهولةِ، لقدْ انتهى الإشكالُ أيها الرجلُ الجليلُ فقدْ عرفنا المالكَ … انهُ جدي العزيزُ.

* عندما راجعَ جدي أحدى دوائرِ الدولةِ وتعرّفَ على موظفٍ نزيهٍ غيرِ مرتشٍ نظرَ إليهِ نظرةَ إشفاقٍ وقالَ: “خطية ما يعرف يستغل الفرصة ويكّون نفسه”!

* لكنهُ عندما راجعَ الدائرةَ الأخرى حيثُ كانَ ابنُ عمهِ (عجيد) تلكَ الدائرةُ، عفواً اقصدُ مديرَ تلكَ الدائرةِ، ارتسمتْ ابتسامةٌ كبيرةٌ على شفتيهِ لانَّ ابنَ العمِ لم ينسَ أنَّ (الشجرة تفيي على اهلهه) ويطبقُ أشهرَ قانونٍ بالبلدِ (الأَقْرَبُونَ أَوْلَى بِالْمَعْرُوفِ)!

* النسخةُ العصريةُ لجدي العتيقِ مختلفةٌ تماماً، فقدْ استبدلَ جَملهُ الاثيرَ بسيارةٍ حديثةٍ نوع (Merceds)، واستعملَ آخرَ موديل (iPhone)، واستبدلَ عباءتهُ وثوبهُ ببدلةٍ من تصميمِ (Armani)، وصارَ (Hugo Boss) عطرُه المفضلُ بدلاً عن (ريحه أم السودان)، ولكنْ عندما حاسبَه شرطيُّ المرورِ لأنّه يقودُ سيارتَهُ في الـ (wrong side) نسيَ كلَّ ذلكَ وصرخَ بأعلى صوتهِ (انت ما تعرف أني منو؟ احنا گوم … حضر عمامك)!

أحدث المقالات

أحدث المقالات