هل يسبق الضمير الإيمان؟
يخيل لي ان الضمير، وهو التوازن والإنصاف المكتسب من صفاء الطويّة واستقامة النفس وسلامة القصد والنية وكل معنى يدافع عن الحقيقة ويصونها ويحقق العدالة والمساواة، شرط للإيمان السليم، وإلا فإن الإيمان، أو، على الأقل، ما ندعي انه إيمان، يمكن الإلتفاف عليه بالفتوى كما هو حاصل الآن في بلاد المسلمين من سفك للدماء وانتهاك للحرمات وتدمير الحرث والنسل بإسم الإيمان.
الأمة ارتقت إلى عليائها بالإيمان وانتكست إلى دركها الأسفل تناوبا مع ضميرها الحي الذي اثمر فيه الإيمان وضميرها الميت الذي لم يثمر الا الدقل.
عن عبد الله بن عمر ، يَقُولُ: ” لَقَدْ عِشْنَا بُرْهَةً مِنْ دَهْرٍ وَأَحَدُنَا يَرَى الْإِيمَانَ قَبْلَ الْقُرْآنِ (أي ان نفوسهم كانت مهيأة لقبول الإيمان قبل ان يسمعوا القرآن)، وَتَنْزِلُ السُّورَةُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَتَعَلَّمُ حَلَالَهَا وَحَرَامَهَا، وَأَمْرَهَا وَزَاجِرَهَا، وَمَا يَنْبَغِي أَنْ نُوقَفَ عِنْدَهُ مِنْهَا، كَمَا تَعَلَّمُونَ أَنْتُمُ الْيَوْمَ الْقُرْآنَ، ثُمَّ لَقَدْ رَأَيْتُ الْيَوْمَ رِجَالًا يُؤْتَى أَحَدُهُمُ الْقُرْآنَ قَبْلَ الْإِيمَانِ، فَيَقْرَأُ مَا بَيْنَ فَاتِحَتِهِ إِلَى خَاتِمَتِهِ، وَلَا يَدْرِي مَا أَمْرُهُ وَلَا زَاجِرُهُ، وَلَا مَا يَنْبَغِي أَنْ يَقِفَ عِنْدَهُ مِنْهُ وَيَنْثُرُهُ نَثْرَ الدَّقْلِ “، والدقل : رديء التمر ويابسه.
نقلت سي أن أن اليوم عن السيناتور الديمقراطي باتريك ليهي، ٧٨ سنة قوله: “يبدو ان أحدهم قتل (يقص جمال خاشقجي) لأنه كان يمتلك الجرأة على التحدث ضد الأشخاص الحاكمين في بلده. إذا لم نفعل شيئاً، فما الذي ندافع عنه؟، وهو بذلك (أي السيناتور) يجعل الدفاع عن قَتْل رجل لا يقربه لا من قريب ولا من بعيد. لا من قومه ولا من دينه ولا من ملته، بل ربما أضر الموقف به وببلده، يجعل قتل رجل قال كلمة الحق في وجه الحاكم الظالم الفاسد في كفة، وأمريكا كلها، بلده، اعظم دولة عرفتها البشرية، في الكفة الأخرى.
عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، أَنَّهُ قَالَ لأَصْحَابِهِ: ” تَمَنَّوْا “، فَقَالَ رَجُلٌ: أَتَمَنَّى لَوْ أَنَّ لِي هَذِهِ الدَّارَ مَمْلُوءَةٌ ذَهَبًا أُنْفِقُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: ” تَمَنَّوْا “، فَقَالَ رَجُلٌ: أَتَمَنَّى لَوْ أَنَّهَا مَمْلُوءَةٌ لُؤْلُؤًا وَزَبَرْجَدًا وَجَوْهَرًا، أُنْفِقُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَتَصَدَّقُ، ثُمَّ قَالَ: ” تَمَنَّوْا “، فَقَالُوا: مَا نَدْرِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ عُمَرُ: ” أَتَمَنَّى لَوْ أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ مَمْلُوءَةٌ رِجَالا مِثْلَ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ ”
أتمنى لو ان العالم مملوء برجال مثل باتريك ليهي.