(لا يكفي لطالب الحقيقة، أن يكون مخلصاً في قصده، بل عليه أن يترصد إخلاصه، ويقف موقع المشكك فيه، لأن عاشق الحقيقة، إنما يحبها لا لنفسه مجاراة لأهوائه؛ بل يهيم بها لذاتها، ولو كان ذلك مخالفاً لعقيدته..) فريديرك نيتشه.
نشرت فيما مضى، مقالٌ بعنوان “الهوية الوطنية أم الهويات الطائفية؟” موضوعه يحكي، أسباب الفشل السياسي والأمني والخدمي في العراق، ويَرجِعُ المقال أسباب هذا الفشل، في المؤسسات الحكومية كافة بصورة رئيسية؛ للهيكلة الطائفية التي بُنِيّتْ عليها الحكومات السابقة، وكذلك لبناء الكتل السياسية، على أسس طائفية.
اختتم المقال برؤية تؤكد على أن تُبنى الكتل السياسية، والحكومة العراقية على أساس الهوية الوطنية، التي تجمع العراقيين، ولا تميّز بين فرد وآخر؛ إلا بقدر ولائه لوطنه.
الغريب في الأمر، أن المقال قد نشر من قبل ثلاثة أشخاص، كل واحد منهم، ينتمي لمكون من مكونات الشعب العراقي الأساسية، مختلفين في عقيدتهم الدينية والسياسية، أحدهم نسبه لنفسه، والآخر نسبه لمجهول (منقول)، وثالثهم لا هذا ولا ذاك، تركه بدون أي إشارة لأي اسم، مايهمني؛ أن هؤلاء الثلاثة، المختلفين في عقائدهم الدينية أو السياسية، قد اتفقوا على شيئين اثنين:
الأول: هو تبنيهم لرؤية المقال الوطنية، وضرورة بناء المؤسسات الحكومية، على أساس وطني وليس طائفي، الثاني: هو أن الثلاثة قد اتفقوا، على حذف اسم السيد عمار الحكيم من المقال، وكل بطريقته سواء بحذف الفقرة التي فيها إشارة للسيد، أو بحذف اسمه فقط!
هنا أريد أن أقول للقارئ، أن هذه الرؤية الوطنية، هي رؤية تيار شهيد المحراب، في قيادة الدولة العراقية، وأن السيد عمار الحكيم، هو متبني لها ويعمل عليها، وماكتبتها؛ إلا لنبينها ونؤكدها للمواطن العراقي، المغلوب على أمره، حيث يتلاعب المتاجرون بالطائفية بمشاعره؛ على حساب حقوقه المشروعة، وإن هذه الرؤية هي مشروع لدولة المواطنة، التي تمنح كل مواطن حقه في وطنه، بغض النظر عن انتمائه الطائفي، أو المذهبي.
وعوداً على بدأ، فأن للحقيقة ثمن، وليس من حق أحد أن يجانبها، أو يأخذ جزء منها ويترك آخر، تبعاً لرغبته أو لأهواءه، فكما يقول الفيلسوف الألماني نيتشه “عاشق الحقيقة إنما يحبها لا لنفسه مجاراة لأهوائه؛ بل يهيم بها لذاتها، ولو كان ذلك مخالفا لعقيدته” أي أن الحقيقة، أسمى من إن تغيب؛ لاختلاف بسبب موقف أو عقيدة أو مذهب.
لكن ماحدث يبين، أن أهواء بعض من السياسيين والإعلاميين، والطبقة التي تسمى بالنخبة قد غلبت عليهم، ومنعتهم من النظر للحقيقة، أو قولها كلها؛ لأنها تكشف كذب إدعاءاتهم، وزيف وطنيتهم.
يحذف اسم الحكيم؛ لأنهم ليس لديهم الرؤية التي يمتلكها، والتي أثبتت مصداقيتها خلال سنين عدة، وخير مصاديقها مبادرة انبارنا الصامدة، التي رُفِضتْ؛ فدفعنا ثمنها انهارا من الدم، وأمهات ثكالى، وأطفال يتامى ومليارات من الأموال، وكذلك وقوف التيار بالضد من تولي المناصب الحكومية بالوكالة، التي أثبتت فشلها أبان حكومة المالكي، حيث شُغلت الوزارات الأمنية بالوكالة، وكانت النتيجة هي خيانة القادة العسكريين والأمنيين، وسقوط عدة محافظات، ولا ندري من يتحمل المسؤولية؟ فكل طرف يرمي التهمة على الطرف الآخر.
آخر رؤى السيد الحكيم، هي الكتلة الوطنية العابرة للطائفية، فيا ليت قومي يَعقلون، وأن لا تُصم آذانهم، وتُعمى عيونهم، وتُخرس ألسنتهم، عن سمع ورؤية وقول وقبول الحقيقة، فندفع الثمن غالياً، بمزيد من القتل والخراب والفساد، والمستقبل المجهول، بسبب حَسَدٌ أو بغضٌ لهذا البيت المرجعي، أو لسليله وبقيته.
إن أولى العراقيين في الحديث عن الوطنية، هم آل الحكيم؛ فقد دفعوا ثمن ذلك أكثر من سبعين شهيداً، مابين عالماً ومرجعاً وشاباً، وهذا الشرف لم تنله أيُّ عائلة عراقية أخرى، من حيث كم الشهداء وحجم المأساة، فإذا أردنا الحديث عن الوطنية، فإن دماء آل الحكيم قد نطقت بحب العراق، وسالت في سبيله، وروت أرضه فلا يزايد أحد، على جهادهم ووطنيتهم، فقد جادوا في سبيل وطنهم بأنفسهم وأموالهم، والجود بالنفس أقصى غاية الجود.
يبقى السؤال الذي يراودني، إذا كانت رؤية الحكيم ذات أبعاد وطنية حقيقية، ولا تمّيز بين طائفة وأخرى، أو مذهب وآخر، فلماذا يتم قبولها ويرفض حكيمها؟!