22 ديسمبر، 2024 10:50 م

أبو فارس وقِدرُ الكبَّة!

أبو فارس وقِدرُ الكبَّة!

اقترن ظهور الفنان خليل الرفاعي (أبو فارس)(١٩٢٧م ـ ٢٠٠٦م) بالشخصية البغدادية الشعبية   الطيبة.
من صفات هذه الشخصية التي تصنف في علم النفس بالبسيطة والودود أنَّ صاحبها هادىء الأعصاب، وكثير الاسترخاء، يضحك كثيراً، يثق بنفسه، وبالناس المحيطين به، ويعامل الناس بالحسنى، يقابل الآخرين برحابةٍ وودٍ، ويمتلك قلوبهم ، ويشعرهم بالأمان في أثناء وجوده بينهم، فيلقى قبولاً منهم.
بالعودة إلى كتاب (قاموس الشخصيات الشعبية في الأدب)/باريس ٢٠١٠م وهو من تأليف: (ستيفاني دوليستري هاغار ديزانتي وآخرين) نجد أنَّ هناك شخصيات روائية صاغها أدباء عالميون صارت فيما بعد شخصياتٍ شعبيةٌ ،
وأبطالاً لهم جمهورهم مثل: طرزان، وزورو، وجيمس بوند، ولوليتا، ويمكن أن نضيف شخصياتٍ من التراث العربي مثل : الزير سالم، وأبو زيد الهلالي، وعنترة بن شداد، وأشعب، وجحا، وفي الدراما العراقية :حجي راضي، وعبوسي، وأبو فارس !
قد يكون لهذه الشخصيات نظائر في الواقع، لكن المهم أنَّ مهارة الصياغة الأدبية لها أعطتها الحيوية، والديمومة !
في جميع أعماله منذ بدء مشواره الفني سنة ١٩٤٥م، وحتى توقفه عن العمل ورحيله سنة ٢٠٠٦م لم يغادر الفنان خليل الرفاعي مؤلفاً وممثلاً، شخصيته البغدادية ، ولم تغادره برغم تنوع أعماله من شعبيةٍ، وكوميديةٍ، وتاريخيةٍ، وتعليميةٍ التي تجاوزت الـ ٨٥٠ عملاً فلم تقتصر أدواره على النمط الشعبي، بل شارك في أعمال درامية مهمة مثل مسرحية (البيك والسايق) ١٩٧٤م،وهي من تأليف: صادق الصائغ،واخراج إبراهيم جلال، ومسرحية (محاكمة الرجل الذي لم يحارب) /١٩٧٦م  تأليف: سعد الله ونوس، وإخراج: سليم الجزائري، أما أبرز أعماله الجماهيرية فهي مسرحية( الخيط والعصفور) ١٩٨٣م من تأليف واخراج مقداد مسلم وقد كان وجوده مع الفنانة أمل طه يمثل ثقلاً نوعياً في تلك المسرحية التي حصدت نجاحاً جماهيرياً كبيراً، كذلك في مسرحية (الشريعة) /١٩٨٨م ، تأليف: يوسف العاني، وإخراج الدكتور فاضل خليل.
ومن أعماله التلفزيونية : ( حامض حلو)/١٩٧٨،و( أبو البلاوي)/١٩٧٩ م، و(غاوي مشاكل)/١٩٨٣م  و(الفرج بعد الشدة)/١٩٨٣،و(الآنسة فواكه)/١٩٩٢، و(أشهى الموائد في مدينة القواعد)/١٩٩٩م، ، وغيرها، ويمكن القول بأنَّه كان ظاهرةً رمضانيةً، أي أنَّ المشاهد ينتظر في كل شهر رمضان مسلسلاً شعبياً كوميدياً يكون مؤلفه وممثله المحوري خليل الرفاعي !
أما مشاركاته في السينما فمن أبرزها في
فيلم (الجابي) /١٩٦٨م ، تأليف وإخراج: جعفر علي، وفيلم (الباحثون) /١٩٧٨م ، تأليف: صباح عطوان وإخراج محمد يوسف الجنابي.
في المسلسل الشهير (تحت موس الحلاق)/١٩٦٩م لمؤلفه سليم البصري، ومخرجه عمانوئيل رسام أدخل أبو فارس قدر الكُبَّة معه إلى صف محو الأُميّة في حلقة (تلميذ مسائي)، وكان التلميذ عبوسي (حمودي الحارثي) يتحين فرصة انشغال المعلم بالطلاب فيفتح قِدرَ الكُبَّة، ويلتهم بعضها !!
والقدر هو الإناء الذي يطبخ فيه، وقد تؤنث كما في  أبيات الشاعر مسكين الدارمي (ربيعة بن عامر التميمي) المتوفى سنة ٩٠ هجرية الذي يقول :
ناري ونار الجار واحدةٌ
وإليه قبلي تنزل القِدرُ
ما ضر جاراً لي أجاوره
أن لا يكون لبابه ستر
أُغضي إذا ما جارتي برزت
حتى يواري جارتي الخدرُ
تُعدّ الكبَّة من أشهر الأكلات في المطبخ العربي، خاصةً في سوريا، ولبنان،والعراق، وترتبط كوجبةٍ غذائيةٍ غنيةٍ ببداية النهار، وفي وجبة الإفطار تقريباً .
و لأنَّ الحديث ذو كُبّب فلا بأس بذكر شيءٍ عن هذه الأكلة الشهيرة :
تتكون الكبَّة من عجينة البرغل المحشوّة باللحم،  وقد يكون شكلها  كروياً، أو بيضاوياً،ويمكن طبخها بسلقها، أو قليها، أو شيّها، وبالنظر لنوعية البهارات ذات الرائحة القوية المستخدمة في صنعها فإنَّ رائحتها تجذب الجائعين وغير الجائعين إليها جذباً !
ليس العراق عريقاً بحضاراته، وبعلمائه، وبشعرائه، و فنانيه فحسب، وإنَّما المطبخ العراقي يستمد عراقته من عراقة الحضارات العراقية : السومرية والبابلية والأكدية والآشورية والإسلامية، ومن بين الأكلات المميزة تبرز الكُبَّة العراقية بأنواعها :وهي كُبَّة التمن (الرز) ، والكبَّة بالبيض ، والكُبَّة بالجريش، و الكُبَّة الموصلية !
وقد تفنن أهل الموصل بصنع ألذ أنواع الكبات.  والكبّة الموصليّة تمتازُ  بشكلها الدائريّ الكبير واستخدام المكسّرات المختلفة في حشوتِها.
أرأيتم كيف بدأنا بالحديث عن أبي فارس وانتهينا بالحديث عن الكُبَّة الموصلية اللذيذة، والغرام بها، وترديد قول الشاعر قيس بن الملوح :
قالوا جُننت بمن تهوى فقلت لهم
ما لذة العيش إلا للمجانين !