23 ديسمبر، 2024 2:06 ص

أبو بكر النابلسي..العالم المجاهد الذي سلخه العبيديون سلخا

أبو بكر النابلسي..العالم المجاهد الذي سلخه العبيديون سلخا

الدولة العبيدية, نسبة لمؤسسها؛(عبيد الله المهدي),والتي تُسمّى أحياناً خطأً؛(الفاطمية), والتي اعتمدت المذهب الإسماعيلي الشاذ, عقيدة لها. كانوا باطنية، قلبوا الإسلام، وأظهروا الرفض، وأبطنوا الزندقة. وهم من أصول فارسية مجوسية على أرجح الأقوال, ويرجع نسبهم إلى ميمون القدَّاح.
وقد تكلَّم أئمة السنَّة من العلماء والمؤرخين؛ مثل؛ابن تيمية، وابن كثير، والذهبي, عن أصل هذه الدولة, فبيّنوا زيف ادعائهم؛ إنهم ينتسبون لفاطمة؛(رضي الله عنها),وفصلّوا ما فعلته من نشر الكفر والزندقة، وإيذاء أهل السنَّة، وتمكين الصليبيين، والتآمر معهم ضد المسلمين. وفي أيام المهدي عاثت القرامطة بالبحرين، وهاجموا الحجيج، وقتلوا مئة ألف حاج، وسبوا النساء،واستباحوا الحرم المكي، وقلعوا الحجر الأسود، وكان (عبيد الله) يكاتبهم، ويحرِّضهم, وقد شاركوا القرامطة جرائمهم.
سيطروا وحكموا مناطق واسعة تمتد على الساحل الجنوبي للبحر المتوسط, من المغرب حتى مصر, ثم توسعوا باتجاه بلاد الشام والحجاز, ومدة حكمهم, كانت (262) سنة, حتى قضى على دولتهم القائد المسلم؛(صلاح الدين الأيوبي), في عام 567 هجرية. ولما استولوا على فلسطين, هرب العلماء والصالحين من بيت المقدس. وكان العبيديون(لع لع) يجبرون علماء المسلمين على لعن أبي بكر وعمر؛(رضي الله عنهما), صاحبي رسول الله؛(صلى الله عليه وسلم), من على المنابر.
وكان ممّن هرب من العلماء من وجه العبيديين, الإمام الزاهد والفقيه المحدّث؛ أبو بكرالنابلسي، وهو عالم من علماء الحديث, حيث هرب من الرملة إلى دمشق. ولما ظهر (المعز لدين الله) بالشام واستولى عليها، وأظهر المذهب الفاسد المخالف للشريعة الغراّء، ودعا إليه، وأبطل التراويح, وصلاة الضحى، وأمر بالقنوت في الظهر بالمساجد, وغيرها من البدع والضلالات, تصدّى له الإمام النابلسي, وكان يفتي بقتال العبيديين, وقال قولته المشهورة :(لو كان في يدي عشرة أسهم, لرميتُ واحداً على الروم, وعلى العبيديين بتسعة).
قام حاكم دمشق؛(أبو محمود الكتامي),المعيّن من قبل العبيديين, بالقبض على الإمام النابلسي، وحبسه في قفص, في شهر رمضان. ولما وصل قائد جيوش العبيديين إلى دمشق، سلّمه إليه, فحمله هذا إلى مصر. وأُحضر أمام الحاكم العبيدي(المعز),والذي سأل النابلسي: بلغنا إنك قلت؛ إذا كان مع الرجل عشرة أسهم, وجب أن يرمي في الروم سهماً وفينا تسعة؟
ما قلت هكذا ؛(أجاب النابلسي), ففرح الحاكم العبيدي، وظن أن الإمام سيرجع عن قوله. ثم سأله بعد برهة: فكيف قلت؟
فأجابه الإمام النابلسي بقوة وإيمان وثبات؛
. قلت: إذا كان معه عشرة أسهم لوجب أن يرميكم بتسعة، ويرمي العاشر فيكم أيضاً
فسأله (المعز),وهو مندهش من هذا التحدّي والإصرار: ولِمَ ذلك؟
فردَّ الإمام النابلسي بكل قوة وعزم:
لأنكم غيّرتم دين الأمّة، وقتلتم الصالحين، وأطفأتم نور الإلهية، وادّعيتم ما ليس لكم.
فبُهت الذي كفر, وأمر بإشهاره في أول يوم، ثم ضُرب في اليوم الثاني بالسياط ضرباً شديداً مبرحاً. وفي اليوم الثالث، أمر جزّارا يهودياً, بعد رفض الجزّارين المسلمين, بسلخه وهو حيّ، فسُلخ من مفرق رأسه حتى بلغ الوجه، فكان صابراً محتسباً، وهو يتلو قوله تعالى؛﴿( كانَ ذَلِك فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً )﴾. وكان يُسمع من جسده قراءة القرآن, حتى بلغ العضد، فرحمه السلاّخ وأخذته رِقّة عليه، فوكز السكين في موضع القلب، فقضى عليه. وأمر(المذلّ) لدين الله, وليس (المعزّ), بصلبه بعد حشو جلده تبناً. وكان ذلك سنة 363 هجرية.
رحمه اليهودي, ولم يرحمه العبيديون الكفرة الأنجاس!!!.
وذكر صديقه؛(ابن الشعشاع المصري), إنه رأى الشيخ النابلسي في المنام بعدما قُتل، وهو في أحسن هيئة, فسأله: ما فعل الله بك ؟ فأجابه ببيتين من الشعر؛
حباني مالكي بدوام عزٍ
وواعـدني بقـرب الانتصارِ
وقربنـي وأدناني إليه
وقال: انعم بعيشٍ في جواري
فما أحوج الأمّة اليوم ,إلى هكذا شخصيات عملاقة, لا تأخذها في قول الحق لومة لائم, بعد أن صار كل من هبّ ودبّ,(عالما)!!. رحم الله العالم الفقيه الزاهد المجاهد أبا بكر النابلسي, الصابر المحتسب, الذي شرى الحياة الدنيا بالآخرة, فنعم التجارة تلك. وعمل بالعزيمة, ولم يأخذ بالرخصة.